إدريس الأندلسي
بالأمس كانت إحدى الشابات المكلومة بما أصاب أمها من مرض تبحث عن فصيلة دم ناذرة. تجول الشوارع و تبعث صحبة إحدى صديقاتها إلى كل معارفها الواقعيين و الافتراضيين برسائل الاستعجال لمساعدتها على الحصول على بعض الكميات من الدم. يتيمة الأب الصفريوي الذي كان من خدام الوطن و إنسانة تفيض تواضعا و سعيا لعيش عادي. هكذا هي و هكذا شاء القدر و شاءت التربية و التنشئة الضعيفة و المال الوفير و السيارة الكبيرة أن تزلزل لحظة حياتها من أجل إنقاذ حياة أمها و سندها الوحيد .
بنت و صديقتها تبحثان عن فصيلة دم و الحزن يسكنهما و كثير من التعاطف يرافق سعيهما لكي تفلت أم من يأس أمام مرض خبيث. الطريق واسعة في أكبر شارع في العاصمة، يشتعل الضوء الأخضر، فتنطلق سيارة صغيرة تحمل شابتان في محاولة لإنقاذ أم، نعم “أم” و ما أغلى لحظة تتاح خلالها الفرصة لأعتى العتاة أن يستمتع بقول قول كلمة “أمي” ذلك الضوء الأخضر تحول إلى شاهد على لحظة عنف صنعها من لم يكترث باللون الأحمر الذي كان أمامه فأسأل الدم الأحمر و بعث بشابتين في مقتبل العمر إلى ما يشبه النهاية في إنتظار حكمة الرحمان. في لحظة عصيان تكسرت عظام و تشوهت أوجه و غنى اليأس سمفونية العذاب. توقفت عقارب الساعة بالنسبة لمن صدقت أن الضوء الأخضر يعني المرور في أمن و أمان.
من كان أمام الضوء الأحمر و صدم السيارة الصغيرة بما حملت من شباب و تاريخ و تكوين و مشروع حياة، كان في سن 18 سنة. و غيره كثير و صعب التحدث إليهم. و يقال أنه لا زال تحت وقع صدمة نفسية. و هذا أضعف الإيمان. وصل بنا الحال في بلد تحارب الفقر و الهشاشة الإجتماعية أن نترك مفاتيح سيارات الفخامة و السعر الذي يبعث على السعار بيد يافعين لا يمتلكون أدوات للمسؤولية الإجتماعية و الجنائية. أمام الضوء الأحمر وقف العظماء و أعطوا المثال للآخرين و كثيرا منهم احتقروا قانون السير. و لقد سمعنا أخيرا عن دعم الحموشي لكل ردع يستهدف المخالفين مهما كان وضعهم.. أمام الضوء الأحمر وقف ملك البلاد دائما و رفض الاستثناء . ويقف ولي العهد في دولة تسعى أن تكون غارقة في الحق و القانون.
أمامنا اليوم حادثة سير أساسها ضعف تربية و عدم إحترام للقانون و نتيجتها تحطيم حياة شابتين لم تقترفان سوى فعل احترام قوانين السير ببلادنا. هل سنعتبر الأمر، في نهاية الأمر مجرد حادثة سير. و ألله أشك في ذلك في ظل الإحترام الكبير الذي طبع سلوك ملك البلاد و هو يقود سيارته في إحترام تام للقانون و في سلوك مواطنين أصبحوا أكثر وعيا برهبة السير على الطريق. نعم تطبيق القانون عنوان على حضارة و على حرمة المؤسسات.
نعم يجب تفعيل القانون على الجميع بشكل يستجيب لمقاييس العقل. و أول أبواب تفعيل القانون محاسبة من يمتلكون السيارة كأداة للترهيب على الشارع العام . نعم يخاف المواطنون من الطريق ببلادنا. المجرمون عددهم كبير و بالرغم من نية القيام بالفعل الجرمي لديهم لا يتم التعامل معهم بالقانون. خلال نهاية الأسبوع الماضي قضيت ست ساعات في الجحيم. رافقت صديقا بعد ندوة في مدينة الحسيمة في رحلة إلى طنجة. لا أراكم ألله شرا و لكن أغلب السائقين و خصوصا من يسوقون شاحنات و طاكسيات و سيارات نقل بضائع كانوا يزرعون الرعب في الطريق الساحلية المؤدية إلى تطوان. و لا مراقبة و لا تشدد و لا غرامات. فتمنيت و أنا في قمة اليأس أن يمن ألله على بلدي بنظام يرصد مخالفات السير يخضع لتكنولوجيا متطورة تسير باقمار اصطناعية.
بلادنا يقتل فيها ما يزيد عن الألفين أغلبهم بفعل فاعل على الطريق. و يظل القاتل محفوفا بقانون يضمن له الخروج من مأزق و تضيع أسر الضحايا و يضيع المجتمع. حين أرى بعض اليافعين يقودون سيارات كالدبابات و يثيرون الرعب بالليل و النهار اساءل الآباء و أجهزة الأمن و أقول لهم نرجوكم نطلب منكم عدم تحويل أبنائكم إلى مجرمين في سن صغيرة. و نرجوكم أيها الذين اخترتم أن تقوموا بحماية المواطنين أن توقفوا نزيف حوادث يومية بتكثيف المراقبة و زجر المخالفات. ليل العاصمة و المدن الأخرى أصبح جحيما لمن يسكنون قرب الشوارع الكبيرة. أولاد لفشوش يسيطرون على الشوارع لإشعال فتيل الفوضى و إزعاج الأطفال خلال نومهم و المرضى كذلك. لقد بلغ السيل الزبى و أصبح العقاب القانوني و القاسي هو الوسيلة لردع من يحمل سلاحا إسمه سيارة لكي يجرم في حق المجتمع.