الكل يتغنى بالمسار الديمقراطي والمجتمع الحداثي، وبانجازات الحكومة منذ دستور 2011، لن اخوض في مفهوم الديمقراطية ولا اشتراطاتها التعاقدية والمؤسساتية ، ولا في في إعمالها كممارسة سياسية تخترق جميع المجالات واهتمامات المجتمع والكينونة والسلوك البشري، لن اقف عند مفهومها الزئبقي المنفلت من عقال التعريفات المفترى عنها في قاموسنا السياسي المجانب للتعريفات والمحددات الحقيقية ، لمفهموم معقد متحول ، فالديمقراطية بعيدا عن التسميات اما ان تكون مبنية على تعاقدات واضحة تستندن على سياة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر كل السلط، واما لن تكون مهما حاولوا نعتها بالديمقراطية التمثيلية، التشاركية، وغيرها من المفاهيم المنزوعة من سياقاتها ومن واقعنا المتخن بالاستبداد والتسلط.
لن اخوض في سمات ومميزات الردة الحقوقية وتضخم المؤسسات سواء تلك المسماة باليات الحكامة او المطبوعة بالتفيذية ،لانهما سيان والفصل بينهما قد يكون منهجيا وليس في الغايات والاهداف.
كما اني لن اسرد الواقع الحقوقي وتجلياتها، ولا تهافت الموسسات باصدار التقارير حوله ، وان اختلفت الجهات فان عملية النسخ تبدو هي المهيمنة، ومن السهل اكتشافها والوقوف عندها. كما ان هذا الاسهال في تقديم التقارير يحمل في طياته التوجه رأسا نحو استدامة انتهاكات حقوق الانسان وتبييض وجه الدولة ، وقد يخفي التيه الجلي للفاعل والمتتبع لاجهزة الدولة لمغالبة واقع متخن بالتراجعات ، كما ان تلك التقارير تعمل جاهدة للقفز على الحقيقة وتبخيس مجهودات الهيئات الحقوقية وشيطنتها ، وتقديمها بصورة سلبية للرأي العام دون تمكينها من حق الرد زالمناقشة والترافع من اجل طرح مقاربتها. لان الدولة وحكومتها ومؤسساتها المعنية بما يسمى الحكامة غير مقنعة وتخشى النقاش، وتفضل مقاربتها المبنية على السلطوية والاكراه لمحاولة الاخضاع.
ولتبيان ان الحكومة تعمل جاهدة من اجل طمر احدى الجمعيات الحقوقية ، ومحاولة اقبارها واسكات صوتها، سنقف عند الحصار الممنهج والاستراتيجي الذي تعيش تحته الجمعية المغربية لحقوق الانسان منذ خمس سنوات خلت
فمن تجليات الحصار في زمن حكومتي الاسلاميين وحلفائهم ، ممارسة حظر تقني وعملي على الجمعية المغربية لحقوق الانسان وفروعها 92، عبر المنع والحصار، والهجوم على مناضليها ومتابعت البعض قضائيا، واخرين بمصادر حقهم في العيش الكريم، وعبر التشهير والافتراء في حق اخرين، الى ووضع المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان المنتمين للجمعية تحت المجهر لمراقبتهم وضبط وترصد حركاتهم وسكناتهم.
ان الحصار تجاوز المدى واصبح اكثر شراسة من حقبة الثمانينات، فعدد الفروع المحرومة من وصل الايداع يتجاوز 60 فرعا، وهناك فروع لم يتم حتى تسلم ملفها القانوني من طرف السلطات المحلية، هما ان هناك 28 حكما قضائيا ترفض السلطات تنفيذها لانها ببساطة في ظل تقوية التحكم في السلطة القضائية بدأت محكمة النقض في قبول نقض الدولة للاحكام، كما انه في ملفات اخرى لبعض الفروع بدأ القضاء الاداري في محاكم الاستئناف للاسف يوظف ضد الجمعية،في انتهاك صارخ للقانون والمنظومة الدولية لحقوق الانسان.
مجال اخر يبين الهجوم الدولتي على الجمعية فمنذ يوليوز 2014 بعد تصريح وزير الداخلية انذاك حصاد امام البرلمان، لم تستفد الجمعية من الفضاءات العمومية، واغلقت في وجهها كل القاعات في تجاوز فاضح للقانون وللحق في التجمع العمومي، بل حتى الفضاءات الخاصة مارست الدولة ضغوطات على اصحابها للتراجع عن احتضان دورات تكوينة وجامعات حقوقية منظمة من طرف الجمعية بما فيها شراكات مع جهات حكومية!
لم يقف هجوم الحكومة وادوات الدولة عند هذا الحد بل باشرت الضغوطات على الجهات الخارجية التي كانت تربطها شراكات بالجمعية لوقف كل تعامل مع الجمعية ان ارادت الاستمرار في عملها بالمغرب، واضطر شركاء الجمعية الى الاعتذار للجمعية والخضوع لاكراهات المصالح على حساب قيم ومبادئ حقوق الانسان.
لقد اصبحت الجمعية المغربية لحقوق الانسان نقطة برنامجية قارة في جدول حكومة الاسلاميبن وحلفائهم الاداريين وباقي مسؤولي المؤسسات، عبر تقوية الحصار والمنع، والاقصاء ومحاولات التهميش والتشهير، وعبر الردود التي لاتقنع حتى اصحابها على كل مواقف الجمعية وتقاريرها، مما يبن حجم القلق الذي يعيشه مناهضو حقوق الانسان.
حكومة الاسلاميين وحلفائها حينما تتحدث عن الديقراطية التشاركية والعلاقة مع المجتمع المدني فانها تتحدث عن الجمعيات الموالية والتي تستفيد من الدعم المادي من طرف الحكومة بشكل سخي ومن طرف المجالس المحلية والجهوية. اننا نعرف هجم الدعم المقدم لجمعيات محلية موالية للاحزاب بشكل يجعل الجميع يتواطئ من اجل الريع السياسي المغلف بالجمعوي.
فحديث رئيس الحكومة وقبله وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان، حول الانفتاح وتقوية المسار الحقوقي وتغيير شروط الممارسة السياسية والنقابية والمدنية داخل النسيج المجتمعي بما فيه الجامعة ، وحديث الوزير المكلف بالمجتمع المدني حول الديناميات الجديدة للفاعل المدني والديمقراطية التشاركية، كلها في الحقيقة تؤشر على معطى ثابث ان الحكومة تدعم جمعيات ومكوناتها السياسية وتفتح لها كل الابواب، وفي المقابل تقمع وتحاصر وتهجم على مكنونات مدنية جادة تصنفها في خانة المزعجة.
ومن مظاهر الدعم السخي لجمعيات الموالاة ،تمويل حملات في مجالات متعددة تشتم منها رائحة الحزبية، والخطير هو اشراف ما يسمى المجتمع المدني على تهييئ فضاء ضخم وبكل الوسائل لاحتضان صلاة التراويح خلال شهر رمضان الفارضط في اسغلال فج للمعتقدات وللدين في السياسة السياسة، ناهيك عن سخاء وزارات معينة تسمى اجتماعية اتجاه الجمعيات الاسلامية، اما المجالس الجماعية فان دعمها اصبح مفضوحا وتغلب عليه الولاءات الحزبية.
لقد اصبح استغلال الدين، اللغة ، وما يسمى العمل الخيري والاحساني يتم بشكل مكشوف وهدفه بالطبع محاصرة الفكر العقلاني الديمقراطي وكبح جماع الثقافة الانسانية الكونية، وتنميط المجتمع وخلق نخب تسبح باسم المخزن ومستفيدة من العطايا.
اما استعمال القاعات العمومية فاصبح متاحا لانشطة تافهة ليس لها اية علاقة بالتأطير ولا التكوين ولا النهوض بثقافة حقوق الانسان، انشطة بعيدة عن اهتمامات وانشغالات وقضايا المواطنات والمواطنين الحقيقية.
لقد عرف غرامشي المجتمع المدني بالمتراس الذي يحمي ويعزز الديمقراطية، اما الدولة والحكومة فيعرفون المجتمع المدني بالاداة للدعاية والتملق للمسؤولين ولشراء اصوات الناخبين وفي احسن الاحوال صمام امان فشل وتنازل الدولة عن مهامها في قضايا خاصة ذات الطبيعة الاجتماعية.
اما نحن فنعرف المجتمع المدني بالقوة الاقتراحية والترافعية من اجل المساهمة في انجاز المهام الديمقراطية في توازي باقرار دولة الحق والقانون، دولة تحرم حقوق الانسان في كونيتها وشموليتها.
نفهم المجتمع المدني بكونه اليات الدفاع الذاتي للمواطنات والمواطنين عن حاجياتها وحقوقها غير القابلة للتصرف، نفهمه باستقلاليته عن الدولة ومؤسساتها والاحزب دون ان يكون مستقلا عن مطامح ومطالب الشعب.
نفهمه بانه يترافع لحمل الدولة للقيام بمهامها ووظائفها في ضمان كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية، وان تحترم التزاماتها الدولية، بمعنى ان تكون دولة مبنية على اسس ديمقراطية حقيقية.
المجتمع المدني المدعوم من طرف دولة الاستبداد هو مقدمة الهجوم على الحقوق والحريات وفي مقدمها حرية الرأي والتعبير والحق في التظاهر والاحتجاج ، والحق في التنظيم والتجمع، او ما يسمها كوابح الانتقال نحو الديمقراطية، لانه ببساطة ليس مجتمع مدني بل قوى متحكم فيها توظف لاغراض وتنفيذ املاءات مسطرة سلفا.
ان تتبجه الحكومة وتزعم ان هناك سيادة حقوق الانسان فربما انها تقيس منجزاتها بما منحته لاجنحتها وادرعها النقابية والجمعوية والحزبية، اما واقع الحقوق والحريات فهو مخالف اطلاقا لكل مزاعمها والامثلة ولقد وقفة بدون تفصيل عند ذرة فقط من محنة حقوق الانسان ببلادنا، باعتماد الجمعية ،رغم ان هناك العديد من الطيف الجمعوي يعاني مع الحكومة.
ان AMDHليست سوى جمعية تشتغل بامكانياتها البشرية والمالية البسيطة، واذا كانت تزعج السلطة فلانها تتمتع بالمصداقية والنزاهة والقدرة على قول الحقيقة كما تراها وفق مرجعيتها الوحيدة المستندة على المرجعية الدولية لحقوق الانسان في شموليتها وكونيتها وما راكمته نضالات الشعب المغربي من مكتسبات ، التي تعمل الحكومة ومؤسسات الدولة على التراجع عنها والتنكر لها وفي احسن الاحوال جعلها مكتسبات لتقوية التوجهات السياسية المهيمنة والمعادية للديمقراطية وحقوق الانسان.
واخيرا فالجمعية المغربية لحقوق الانسان الذي ضاق صدر الدولة بوجودها، لا تعدو ان تكون سوى جمعية مدنية بمواطنات ومواطنين ما يميزهم صدقيتهم ومتابعتهم للانتهاكات دون تمييز للضحايا، انها جمعية فقط محكومة بسقف الحركة المدنية ، انها حضن الضحايا والمظلومين، وملجأ لهم . وجريرتها انها تعمل على استباث ثقافة حقوق الانسان في ثربة لوثتها الانتهاكات والشطط. انها جمعية للدفاع عن حقوق الانسان وحمايتها والنهوض بها وليست تراكس او بعبع كما يعلو للبعض ان ينعتها.
بكل تأكيد الجمعية المغربية لحقوق الانسان لا تستحق كل هذا المنع والتعسف لو كنا نعيش في ظل حكومة تحترم تعهداتها والتزاماتها وتفتخر بوجود 140 الف جمعية تتمتع بحقها في الوجود حتى اضحينا امام تضخم للهيكل المدني .
عمر اربيب / عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان