لن نرددها في الأعالي بنفس قوة المدن الأنيقة وهي ترتدي أبهى الحلل ، مزينة بزهور تشبه شقائق النعمان في فصل الربيع. أمكنتها زاهية وقد نمقتها أيادي صانعي الديكور الذين يمتهنون حرفة تسد الرمق. لقد عوضوها بأغاني أركسترا صاخبة تحمل ضجيج زمن الإنكسارات والتراجعات ، الكل مصطنع وتغيب فيه بصمة إبداع وعلاقة حب ووفاء. أصبح فضاؤها للتباهي والموضة وغابت فيها فرحة العودة بعد عطلة إستأسد فيها الإسترخاء والمتعة لتشحن كل طاقاتنا بالعطاء ، لم يعد لاهذا ولاذاك. الفراغ في كل شيء.
لن نرددها بعد اليوم ، كما كنا نفعل في الماضي ، هي جملة بسيطة لكنها ليست كباقي الجمل، لها قداستها ورساليتها ،تحمل في أحشائها ترانيم الصباح وهي تشدو على الربى ، تحكي معاناة الصبا في مداشر معزولة مقصية مهمشة تشكو العوز وتنعدم فيها كل شروط الحياة، هكذا هي كلما قمنا بترديدها تنتابنا قشعريرة تعيدنا للزمن الجميل ، كلماتها لم تكن قط عنوانا لقصيدة فحسب بل معاناة ترتلها الشفاه الشقية و أغنية لرقصات الجرح الغائر في خاصرة منظوتنا المعطوبة التي عاكسها الحظ وتكالبت عليها أيدي الفسدة من كل جانب. تستغيت من وضع مأزوم فلامجيب ، تنهض من مطب لتسقط في آخر سحيق لاقعر له .هذا قدرها مادامت تبدي في كل محطة بكبرياء يليق بشموخها ، أنها باقية مابقي كائن فوق هذه البسيطة وما بقي الزمن .
هيهات…هيهات فكم سحرتنا هذه الجملة بدغدتها لتنسينا مرارة هذا الواقع العنيد. هناك من يعتقد أن بتلاوين عابرة تغطي فظاعات هنا وهناك وسياسة “الماكياج ” قادرة على ستر عيوب وتشوهات أوغلت في تعميق أزمتها دون توقف ولا تدخل. من سرق فرحة النشيد الذي شكل مسكنا يهدئ من روعها وهي تتلقى الضربة تلو الأخرى ،لم تعد حلاوة النشيد تسكر المهج كما كانت من ذي قبل ، حين كانت النشوة تبدو على محيا أطفال بريئة ،لتعبر عن سعادة ليس لها مقابل لاحدودا لها ولا نهاية ،حين كانت المدرسة رغم بساطتها فضاء ينبض كله حياة بسواعد أطر تؤمن بأن الوطن ولود وقادر على رفع التحدي ، فتضم في أحضانها أنشطة من مختلف الفنون :المسرح الموسيقى والرقص والغناء والشعر ،تهذب الذوق والأخلاق وترفع من إيقاع المسؤولية ،حين كانت الرياضة مشتلا خصبا لأبطال أصبحوا نجوما. نفتخر بهم في كل المحافل.ويعزف النشيد تحت راية الوطن.
لم تعد حلوة فياترى من أفقدها ذاك المذاق حتى أصبحت مرة كشراب حنظل لانكاد نستسيغه؟ الكل يلقي باللائمة على المدرسة بعدما كانت رائدة أضحت ضحية تتقاذفها الأيدي كما تلوكها الألسن .الكل يفتي في وضعها و يتدخل لكن لا أحد يريد تحمل كامل المسؤولية.
حين ظهرت جائحة كورونا وبدأت تثقل كاهلنا بالخسائر المادية والمعنوية تقتل فينا ماشاءت في صمت من الضحايا، والمرضى ولا أحد قادر على مواجهتها ، لقد عرت سوء إختياراتنا وتنكرنا لدورها الريادي ، الجميع في وقفة تأمل وقناعة تامة وراسخة أننا فرطنا فيما سبق في دور المدرسة حين إستهدفنا بإرادة ماكرة مخطط لهاو بدون وعي رمزيتها والصورة الجميلة للعاملين بها وظهر جليا وبالملموس أن التوعية والتنشئة عاملان رئيسيان في محاربة هذا الوباء الفتاك ولايمكن أن تقوم به جهة أخرى غير المدرسة إنه أمر لايمكن أن ينازع فيه أحد.
يا مدرستي الصامدة أمام كل العقبات …!
ياقلعة العلم والنبوغ في زمن الإنحطاط والتردي…!
أعرف أنك تصرين رغم التجافي ،وتتمسكين بخيط أمل دون تراجع وأنت مصرة على إبراز إنجازاتك النوعية و المتميزة و ترقبينها وهي تولد أمام عينيك الذابلتين من عدم و بطريقة قيصرية حد الموت.
ذ ادريس المغلشي.