الزاهر …عندليب المنارة
عن سن جاوز الثمانين حولا بسنتين كان لصاحب الأغنية الشهيرة ” أنا عندي ميعاد” موعدا مع قدره المحتوم ، فترجل عن صهوة الحياة وأسلم الروح لباريها ليغادر دار الفناء وقلبه مطمئن على انه قد أدى الرسالة الفنية على كامل وجه، ولم يسجل عليه قط أنه قد لوث ربة الإلهام بسفاسف الكلام، أو خلط يوما رحيق عذوبة فنه وشدوه بفاحش القول من مفردات.
بقي حميد الزاهر وفيا للفن الجميل، ولم يمنعه منحاه الشعبي الذي اختاره عن ثقة ووعي من نسج كلمات أغانيه بغزل الأناقة واللياقة معا، فأغنى خزانة الأغاني المغربية بروائع خالدة من قيمة” للا فاطمة..”،”للا زهيرو ..”و” آش داك تمشي للزين..”.
اسمه الحقيقي حميد بن الطاهر، تذوق عشق النغم الشعبي وهو شاب يافع لم يبلغ بعد عقده الثاني، حين كان يقطن صحبة والدته بغرفة بمنزل بدرب شتوكة بحي القصبة، وهو المنزل الذي تعلم فيه أبجديات العزف والإيقاع.
اسمه الحقيقي حميد بن الطاهر، تذوق عشق النغم الشعبي وهو شاب يافع لم يبلغ بعد عقده الثاني، حين كان يقطن صحبة والدته بغرفة بمنزل بدرب شتوكة بحي القصبة، وهو المنزل الذي تعلم فيه أبجديات العزف والإيقاع.
حياة متواضعة
كان هذا الشاب يعيش برفقة الوالدة بهذه الغرفة التي تجاور عشرات الغرف، وسط بيت كبير من طابق واحد، وكل غرفة تشغلها أسرة أربابها من الصناع والحرفيين، وقد لجأت كل إلى إحاطة غرفته بسياج من القصب أو القصدير وكل ما تطاله اليد، لإضفاء نوع من الحميمية.
وسط هذا الفضاء الشعبي المترع بالألفة والإنسجام، كانت أنامل حميد الزاهر تتمرن على ملامسة أوتار العود بتشجيع من الوالدة ورفيقة درب هذه المرحلة الموشومة بضنك العيش وقلة ذات اليد، ودون أن يقف الفقر حاجزا في وجه هذا الشاب كي يشق طريقه إلى النجومية، حيث لم يكن أحد يتنبأ بمستقبل زاهر لحميد الزاهر.
كانت الغرفة التي يشغلها حميد الزاهر ووالدته ملاصقة لغرفة السي عمر مسهال الملقب ب”المزيبري” وزوجته للا أمينة، والذي يعمل كجباص دون أن تمنعه حرفته من تأسيس فرقة لفن لهواري رفقة شقيقه السي محماد، باعتبار انحدارهما من منطقة سوس ( أولوز) حيث انتقلا إلى مراكش حاملين معهما بعضا من الشغف بالغناء الهواري، فيما كان حميد الزاهر بالغرفة المجاورة لا تكف انامله على العزف ومعانقة نغمات العود.
مجهود فتح باب الرزق والكسب في وجه الشاب الذي وجد في ساحة الفن والفرجة( جامع الفنا) فضاءا لإبراز موهبته في العزف والغناء، فعرفه رواد الساحة فنانا شابا لا تكاد آلة العود تفارق يداه، لا يرى إلا وهو حاضن لهذه الآلة العجائبية، يطرب عبر أنغامها جمهور الساحة، ويتسلل بين الفينة والأخرى لمنصة ألعاب الحظ( السويرتي) لمرافقة عملية بيع وترويج التذاكر بعذب أنغامه و معزوفاته متنقلا في ذلك بين ساحتي جامع لفنا وباب دكالة.
وبارا بوالدته
كان جيران هذه الأسرة الصغيرة المشكلة من أم وابنها الشاب، يتابعان العلاقة بين هذا الثنائي ويضربان المثل بمدى بر الشاب بوالدته، حيث كان لا يغادر الغرفة التماسا للرزق إلا بعد أن يقبل أخمص قدمي الوالدة، فيما دعوات هذه الأخيرة تطارد خطواتها بغير قليل من عطف وحنان، وكلمات دعواتها تغطي خطوه” سر أوليدي الله يدير ليك من الضيق طريق ومن العدو صديق،والله يفرشك بالرضى ويغطيك بالرضى”.
علاقة امتدت طيلة حياة حياة، فحتى عنذما تحسن الوضع المادي للشاب واصبح اسما يتلألأ وسط نجوم الأغنية والفن، بقي وفيا للوالدة بارا بها، حيث يروي عبد السلام مسهال نجل السي عمر مسهال جار حميد الزاهر في غرفة البيت بدرب شتوكة، أن حميد الزاهر قد اتصل بوالده وطلب منه أن يبحث لوالدته عن زوج يبر بها ويعاشرها بالحسنى والمودة، وأنه لا يطلب منه أي شيء إلا مؤانسة الوالدة في وحدتها ، فسارع السي عمر لتلبية الطلب وتمكن من إيجاد زوج بالمواصفات المطلوبة، وهو شريف صاحب دكان متواضع بحي القصبة، الذي ارتبط بوالدة حميد الزاهر وافرد لهما هذا الأخير متسعا ببيته الجديد والفخم، إلى أن وافته المنية، ليعود حميد الزهير بعدها لمطالبة جاره القديم السي عمر بالبحث عن زوج آخر بنفس الشروط لمؤانسة وحدة والدته في آخر سنواتها، حيث ارتبطت بزوج جديد بقي حميد الزاهر بارا به وبوالدته ختى بعد أن توفت هذه الأخيرة وغادرت إلى متواها الأخير، فبقي الزوج يعيش في كنف أسرة حميد الزاهر كواحد من أفراد الأسرة معززا مكرما إلى أن حان أجله بدوره.
علاقة امتدت طيلة حياة حياة، فحتى عنذما تحسن الوضع المادي للشاب واصبح اسما يتلألأ وسط نجوم الأغنية والفن، بقي وفيا للوالدة بارا بها، حيث يروي عبد السلام مسهال نجل السي عمر مسهال جار حميد الزاهر في غرفة البيت بدرب شتوكة، أن حميد الزاهر قد اتصل بوالده وطلب منه أن يبحث لوالدته عن زوج يبر بها ويعاشرها بالحسنى والمودة، وأنه لا يطلب منه أي شيء إلا مؤانسة الوالدة في وحدتها ، فسارع السي عمر لتلبية الطلب وتمكن من إيجاد زوج بالمواصفات المطلوبة، وهو شريف صاحب دكان متواضع بحي القصبة، الذي ارتبط بوالدة حميد الزاهر وافرد لهما هذا الأخير متسعا ببيته الجديد والفخم، إلى أن وافته المنية، ليعود حميد الزهير بعدها لمطالبة جاره القديم السي عمر بالبحث عن زوج آخر بنفس الشروط لمؤانسة وحدة والدته في آخر سنواتها، حيث ارتبطت بزوج جديد بقي حميد الزاهر بارا به وبوالدته ختى بعد أن توفت هذه الأخيرة وغادرت إلى متواها الأخير، فبقي الزوج يعيش في كنف أسرة حميد الزاهر كواحد من أفراد الأسرة معززا مكرما إلى أن حان أجله بدوره.
التقيتيقات ….بداية المشوار
بساحة جامع الفنا هذه الساحة العجائبية حيث يمتد خيط رفيع يمزج بين عبق الشرق وسحر افريقا، فكر حميد الزاهر في نسج توليفة طربية شعبية وتأسيس جوق غنائي يتألف من عبد الكبير مرشان (الملقب بالأشهب) وسيدي محمد قنبر وسيدي محمد كعير ومبارك وصاف الملقب( التران)، وهي المجموعة الشهيرة ب”التقيتقات” التي لا تحلو الأعراس الشعبية بدونها، حيث كانت هذه الفرقة ترافق “تراكت” أو ما يسمى بالهدية، ليعمل حميد الزاهر في إطار مشروعه الجديد على تشكيل الفرقة التي أصبح أفرادها جزءا لا يتجزأ من هذا النمط الخاص.
ظلت الفرقة مقترصة على العنصر الذكوري إلى أن ظهرت على الساحة المراكشية فرقة غنائية سورية المعروفة بالشاميات، والتي كانت تقوم بحفلات كل ليلة خميس بسنيما غزالة بالقرب من ساحة جامع الفنا، حيث كانت جل عناصر هذه الفرقة العربية تتألف من النساء.
حينها فكر حميد الزاهر في إضافة التوابل الأنثوية على فرقته الخاصة، فقام بدمج فتاتين احداهما نجلة الشخصية المراكشية الشهيرة ” عيشة ريال” وفتاة تنحدر من مدينة آسفي المعروفة بالسفيانية.
تشكيلة فتحت أبواب أعراس الأسر الميسورة في وجه هذه المجموعة الجديدة، كما مهدت الطريق أمامها لاعتلاء منصات الحفلات التي تنظمها السلطات احتفاءا بالمناسبات الوطنية.
ظلت الفرقة مقترصة على العنصر الذكوري إلى أن ظهرت على الساحة المراكشية فرقة غنائية سورية المعروفة بالشاميات، والتي كانت تقوم بحفلات كل ليلة خميس بسنيما غزالة بالقرب من ساحة جامع الفنا، حيث كانت جل عناصر هذه الفرقة العربية تتألف من النساء.
حينها فكر حميد الزاهر في إضافة التوابل الأنثوية على فرقته الخاصة، فقام بدمج فتاتين احداهما نجلة الشخصية المراكشية الشهيرة ” عيشة ريال” وفتاة تنحدر من مدينة آسفي المعروفة بالسفيانية.
تشكيلة فتحت أبواب أعراس الأسر الميسورة في وجه هذه المجموعة الجديدة، كما مهدت الطريق أمامها لاعتلاء منصات الحفلات التي تنظمها السلطات احتفاءا بالمناسبات الوطنية.
مراكش يا سيدي كلو فارح بك
كان حينها المغرب قد خرج من عهد الحجر ولحماية وولج دروب الحرية والإستقلال بعودة الملك الشرعي محمد الخامس من المنفى واعتلاء عرش أسلافه.
سنة 1962 ستكون فارقة في حياة الراحل حميد الزاهر، وستنقله بدوره من مرحلة الفقر والخصاص إلى مرحلة اليسر ورغد العيش، حين استقبلت المدينة الملك الحسن الثاني كعاهل جديد اعتلى سدة الحكم خلفا لوالد المغفور له محمد الخامس، فاستقبلته مجموعة حميد الزاهر بالأغنية الشهيرة” راه مراكش يا سيدي كلو فارح بك..”.
أغنية فتحت أبواب الإذاعة الوطنية على مصراعيها في وجه الفرقة، كما بدأت الشركات تتهافت على تسجيل أغانيه وتوزيع أسطواناتها ، دون إغفال ما منحته التلفزة المغربية من أشعاع وانتشار على نطاق واسع تجاوز حدود الوطن، فشرعت الدول العربية في استقبال الفرقة لتنظيم حفلات حاشدة مكنت حميد الزاهر من تحقيق طفرة كبيرة إن على مستوى الأداء الفني أو على مستوى المردود المادي والمالي.
سنة 1962 ستكون فارقة في حياة الراحل حميد الزاهر، وستنقله بدوره من مرحلة الفقر والخصاص إلى مرحلة اليسر ورغد العيش، حين استقبلت المدينة الملك الحسن الثاني كعاهل جديد اعتلى سدة الحكم خلفا لوالد المغفور له محمد الخامس، فاستقبلته مجموعة حميد الزاهر بالأغنية الشهيرة” راه مراكش يا سيدي كلو فارح بك..”.
أغنية فتحت أبواب الإذاعة الوطنية على مصراعيها في وجه الفرقة، كما بدأت الشركات تتهافت على تسجيل أغانيه وتوزيع أسطواناتها ، دون إغفال ما منحته التلفزة المغربية من أشعاع وانتشار على نطاق واسع تجاوز حدود الوطن، فشرعت الدول العربية في استقبال الفرقة لتنظيم حفلات حاشدة مكنت حميد الزاهر من تحقيق طفرة كبيرة إن على مستوى الأداء الفني أو على مستوى المردود المادي والمالي.
الزاهر العالمي
لقيت أغاني وأداء المجموعة خلال هذه الحفلات استحسانا كبيرا ،خصوصا بأرض الكنانة و بلاد الشام التي اعتادت النمط الطربي الذي يتطلب مقدمة موسيقية طويلة قبل الإنطلاق في الغناء،فيما كانت هذه المجموعة المغربية القادمة من بهجة الجنوب، تتميز بإيقاعاتها المباشرة دون إخلال أو خلل بالنغمة واللحن، في تنسيق تام مع إيقاعات الأكف التي تتقنها مجموعة التقتيقات المرافقة .
امتدت الرحلات والجولات بمجموعة حميد الزاهر إلى دول أوروبا واليابان، حيث كانت تخلف بصمتها الطربية أينما حلت وحطت رحالها، يميزها طابعها الفرجوي من حيث الأزياء الشعبية( الجلباب حد الركبة والبلغة والسروال الفضفاض المسمى بالقندرسي والشكارة الملتفة حول الخصر، إلى جانب الطاقة المائلة المعروفة ب” نصف قالب” بالنسبة للرجال) و ( الدفينة والقفطان بالنسبة لإناث المجموعة).
ابتسمت الدنيا في وجه حميد الزاهر وانتقلت أوضاعه المادية والإجتماعية من حال إلى حال، دون أن ينسى أو يتنكر للبسطاء الذين التقاهم وعاشرهم خلال حياة الضنك وشظف العيش، فظل وفيا لهذه الفئة الإجتماعية ،يبتهل فرص الأعياد الدينية والمناسبات لزيارتهم والإغداق عليهم من فيض مساعداته، يصر على زيارتهم بشكل شخصي كل بمنزله وسكناه، أو بمقر عمله، دائم السؤال عليهم مسارعا في تلبية حاجياتهم وتغطية احتياجاتهم، وهي الخصال والعادات التي بقي عاضا عليها بالنواجذ طيلى سنوات، إلى أن أقعده المرض خلال السنين الأخيرة وغيبه طاريء العجز الجسدي حين خانته ظروفه الصحية، قبل أن يأتي خبر وفاته ليرحل إلى دار البقاء ويرحل معه كل هذا الفيض من الوفاء والإلتزام ، وتبقى بذلك سيرته الطيبة وثراته الغنائي الخالد، قبسا من نور ساطع يشع على ذكرى فنان عصامي، عشق مراكش حد العبادة، وعاش ومات بين ناسها البسطاء بعد أن كان هواء ونسيم حدائق المنارة أول ما تنسمه لحظة قدومه للدنيا، حين داهم المخاض والدته وسط هذا الفضاء االتاريخي والمراكشي بامتياز، حيث كان الوالد يعمل كحارس للمكان.
عن الاحداث المغربية / إسماعيل احريملة