يحكى أن في مراكش TGV الحافلات رقم خطه 20 يربط بين حي سيدي يوسف بن علي (سيبع) أحد الرجال السبعة والمحاميد سيمته الإنتظار الطويل . عندما سألت السائق عن سبب التأخير أجاب المسكين ببرودة دم وهدوء يفرضهما الإلتزام بقواعد ولباقة المهنية : (الله يجيب السلامة) . الوقت عندهم لا قيمة له على غرار مقولة ( إزرب تتعطل ، واللي زربوا ماتوا ) .
بعد طول انتظار وخاصة في هذه الساعة ، ساعة الدروة ظهر لنا (الطوبيس) من بعيد كأنه عريس في ليلة زفافه فرحنا بقدومه نحن المنتظرون ، لينطلق من جديد بعد توقف وصعود بعض المحضوضين أقوياء الأبدان المتدافعين ، مختالا متجولا بين الأزقة والدروب والمحطات والأحياء متبضعا هنا وهناك من جميع أصناف البشر إلى درجة تكدس الأجساد وبالتالي تكلس الأعصاب والأفكار . رحلة فرضها علي الحرص الشديد والرغبة في حضور منافسات اليوم الأخير من البطولة العربية 14 للجمباز الفني والإيقاعي بمراكش من 21 ال 28 دجنبر 2018 التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمشاركة 12 دولة عربية وهو عدد جيد جدا بالنظر إلى الوضع السياسي العربي الراهن وذلك بفضل مصداقية المغرب الجامع الموحد الذي نجح في تحقيق هذه اللمة الرياضية الأخوية . بطولة تعب الرجال كثيرا من أجل الظفر باحتظانها وسهروا الليالي الطوال من أجل ان تكون في مستوى ما اعتادت مراكش المضيافة تقديمه للعالم من ترحاب وحب وأمن وأمان وحسن تنظيم ومنافسة على رشاقة وجمال الأبدان وروعة الحركات المنسقة قبل الفوز بالمعادن الثلاتة التي يبقى معدن مراكش المغربية ورجالها أرقاها وأغلاها في كل مكان بما في ذلك في مملكتي النرويج والدنمارك الصديقتين .
تلك الحافلات – على ما يبدو – لا علم لها بهذه البطولة وهي حافلات من المفروض فيها أن تكون ناقلة للمغرمين برياضة الجمباز وحاملة لشعار الدورة وناشرة لاخبارها . كان لابد لي من استراحة وشرب فنجان قهوة سوداء خفيفة بثمن11 درهما تشتم منها رائحة قيل لي إنها كوكبية بمقهى بحي المحاميد هذا المقهى الفائق الجمال رغم سواد لونه وذلك قبل مواصلة السير البطيئ كحافلات مدينتي الجميلة نحو قاعة الجمباز الجامعية التي تزينت بحلة الاناقة والجمال وألوان البهجة الزاهية . وجدت في استقبالي رئيس الجامعة الملكية المغربية للجمباز الأستاذ عبد الصادق بيطاري الجندي الساهر على الكبيرة والصغيرة وإلى جانبه فريق النجاح المساند والمدعم له .سعدت كثيرا بلقاء الكولونيل ماجور السيد مصطفى زكري الرئيس الأسبق للجامعة والكاتب العام السابق للجنة الوطنية الأولمبية المغربية ، 39 عاما من الصداقة والوفاء والإحترام المتبادل بمعية أحد أساتذتي الطيبين بالمركز الوطني للرياضة بالجزائر العاصمة ، (CNEPS) سنة 1977 السيد عمار حدادي رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية الجزائرية السابق ، إيه يا زمان بعد 41 سنة خلت نلتقي بمراكش التي شهدت تأسيس اتحاد المغرب العربي يوم 17 فبراير 1989 على أمل عودة الروح الى هذه المؤسسة التي تعتبرها المملكة المغربية جهازا إستراتيجيا لبناء المستقبل . بطولة أتاحت لي كذلك فرصة لقاء مجموعة من الأساتذة والمفتشين الذين أعتز بهم لكونهم ساهموا دون حساب في بناء ما تبقى اليوم من صرح الرياضة المدرسية التي يظل لمدينة مراكش الشرف الأكبر في بنائها .
قال المتتبعون حضروا ، لم يحضروا ، دعموا ، لم يدعموا ، البطولة نجحت بشهادة الضيوف من مسؤولين ورياضيين ، شكرا لمن وقف الى جانب المغرب في شخص جامعة الجمباز النشيطة أما بالنسبة لنا فنعتبر إقامة هذه البطولة على هذه الجودة من التنظيم بمثابة الشروع في كسر هيمنة واستحواذ خط الرباط الدار البيضاء على احتضان مثل هذه البطولات . نحيي كذلك من كان وراء بناء هذه القاعة المغطاة الجميلة التي احتضنت البطولة وحولتها الجامعة إلى ما يسر الناظرين . نشكر من وقع اتفاقية الشراكة المتعلقة بوضع القاعة رهن إشارة الجامعة وخدمة رياضة الجمباز وبالتالي تمكين رياضة الرشاقة من التوفر على قاعتها الجامعية الخاصة في انتظار بناء المرافق المكملة لها كمركز الإقامة والتغذية والتكوين النظري والرعاية الطبية لنكون فعلا في مستوى الطموحات وانتظارات الشباب لعلنا نكون في نهاية المطاف عند حسن ظن جلالة الملك محمد السادس نصره الله في ما طالب به في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للرياضة بالصخيرات يوم الجمعة 24 اكتوبر 2008 . ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل .
كل عام ورياضة الجمباز في أحسن المراتب .
بقلم : الأستاذ الحسين بوهروال