آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

                    السـي حميـد

كان السي حميـد يـروي لنا ذكرياته عندما كان جنديا في الجيش الفرنسي ، وذكريات قتاله الباسل ضد ” الأليمان ” < = الألمان > ، ونهاية الحرب وعودته إلى المغرب . ، أنه لم ينعم بالراحة إلا شهورا قليلة ، إذ استدعي في أواخر الأربعينيـات مـن الـقـرن الماضي من جديد للالتحاق بالجيش باعتبار الخبرة التي اكتسبها في الحرب العالمية الثانية . كان ميناء الدار البيضاء هو المكان الذي تجمعت فيـه الـقـوات لركوب البحـر نـحـو ” لندوشين ” < = الہند الصينية » ، ركـب كـبـاقي الجنـود سـفينة مـن السـفن وانطلقـت لـم يـك قـد رأى البحـر مـن قـبـل ، فلأول مـرة بشاهده وكان البحر الأبيض المتوسط . يصفه بأنه بحـر كالحليب تماما ، وقـد جـرب مذاقـه فـوجـده مالحـا رغـم بياضه . دخلت السفينة البحر الأحمر ، وكان كمـا يـقـول : بحرا أحمر قانيا مثل الدماء تماما لدرجة أنك إذا وضعت يدك في مياهه تتلطخ بالدم ! ثم أخذت السفينة وسدارها منعرجة نحـو بـحـر الظلمات ، الظلام في هذا البحردانم ليس فيه نهار أو مساء أو شروق الشمس ، يقول الوان حميد : رد أحد الأصدقاء ، وكان معنا في جلسة الاستماع هذه ، قائلا : ” إن بحر الظلمات هو المحيط الأطلسي ، وهو جهة أخرى غير البحر الأحمر ” . فأجابه الهي حمياء صـارخـا : ” مـاذا تـقـول أيهـا الأغـر ، هـذا مـا علمـوكم في المدرسة ؟ ثـم هـل أنـا الـذي ركبت السفينة أم أنت ؟ ” وغادرنـا غاضبا مختتمـا خـصـامه بالقول : ” الذي تناول السحور مع الأطفال يصبح مفطرا ” .

رحـــــــــــال

كان رحال طويل القامة بدرجة غير عادية ، وكانت مع الراتب التقاعدي الذي يتسلمه كل ثلاثة أشهر ، فهولا يكفيـه لـسـد حاجياتـه ثـم هـو غيـر مناسب للمجهودات التي بذلها في الحرب ، خصوصا الحرب الكورية . سألناه عن هذه الحـرب فـروى لـنـا أنـه ركب الطائرة العسكرية في 1950 وكانت بلا مقاعد ، وقد حمل معه بعض الخبز وقنينة ماء من نوع سيدي حرازم ! وصعدت الطائرة إلى السماء ، استغرقت الرحلـة يـومـا بكامله أو أكثر ، ونظرا لشدة ظمئـه فـقـد شـرب القنينة كلها وشطرها نصفين بسكين كانت معه ، وفتح نافذة الطائرة فرأى سحابة في الأسفل فأخذ منها جزءا وأغلق النافذة ، فإذا بالسحابة تتحول مطرا فشرب ماء نقيا لم بشربه طوال حياتـه ! لـم ينته الأمـرهنـا ، فعندما نزلت الطائرة في جبـال الهمالايـا بكوريـا ! كانـت الطائرات العمودية تقلع وتقصف الثكنة التي أقام فيها ، فصعد الجبـل حافيا واقتلع نخلة في طريقـه ! كانت الطائرة العمودية تختفي وراء الجبـل ثـم تصعد وتهاجم ، فلما حاولت الرجوع وجدته مع نخلته أمامها ، فضربها بالنخلة فسقطت أرضـا بربانهـا ! وهـذا هـو السبب الذي جعل الجيش الفرنسي يمنحه رتبة ” سارجان ” < = ملازم > احتفاء ببطولته في كوريا التي تقع فيها جبال الهمالايا !

عـزيـز

عزيز يعمل في أحد الفنادق المصنفة ، كان أنيق المظهر ، يفخـر دائمـا بـأن أصله من مدينة فاس ، وبأنه أخذ لون بشرته واناقته من هناك . كان عمله في الفندق عملا عاديـا كـكـل العمـال والمستخدمين ، وأجرتـه جـد عادية . وكان يسكن مع زوجته إحدى الدور الصغيرة في أحد أحياء المحمدي يدعى ديـور المساكين ، كان المنزل يتألف مـن غـرفتين : غرفـة يسـكنها مع زوجته ، وغرفـة يسكنها والده مع زوجته الجديدة بعد أن توفيـت والـدة عزيز ، فتزوج مـن أخـت زوجـتـه . كانت مساحة المنـزل لا تتجاوز 40 مترا مربعا ، وبجواره كان يسكن في منزل مماثل صديقه علي ، الذي يعمل معه في نفس الفندق وغالبا ما يصطحبان بعضهما في الذهاب إلى الفندق والعودة معا ، خصوصا إذا كان وقت العمل موحدا . كان عـزيـز يعاني بورجوازية مالية -وثقافية- متضخمة ، فكان يجلس في باحة المقر النقابي ويروي لنا أحـوال معيشته التي تختلف اختلافا جذريا عـن معيشة الجميع ، فهو – مثلا- كل يوم اثنين يجـد لائحة طعام تضعها زوجته على باب المطبخ الفسيح ، مكتوبا عليها أصناف الأكلات التي سيعدها الطباخ خلال الأسبوع ، أما الفواكـه فهـو يخرج كل صباح من غرفة النوم إلى البستان الواسع ويقطـف فـواكـه المـوسـم : رمانـا ، مـوزا ، تفاحـا ، فـراولـة حسـب الموسـم . وحـين تناديـه زوجتـه لتناول الفطـور لا يسمعها نظرا لبعد المسافة بين البيت والضيعة ! كان جاره علي الذي يعمل معه في الفندق عندما يسمع هذا ينهض واقـفـا ويمشي واضعا يديه خلف ظهـره صـارخا : ويلاه ويلاه ، لكـن عـزيـز يستمر في حكاياته دون أن يهتم بولولة علي !