آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

عيوش

كان عيـوش قد انخرط في سلك المسعفين بوزارة الصحة أواخر الخمسينات من القرن الماضي ، واكتسب حرفيـة مـن خـلال العمل الميداني ومعاشـرة الأطبـاء والمرضى ، وكان من مهامه الأولى المشاركة في لجان الإنقاذ التي ساهمت في زلزال أكادير في 1960. فاكتسب أهلية ممرض في المستوصفات ثم بعد ذلك في المستشفيات . ى أنه ولد بمدينة الصويرة ، وكانت هوايته المسرح ، أسس فرقة موسيقية ومسـرحية كـان مـن أعـضـائها الأستاذ الطيب الصديقي وإخوته . ويأسـف لكون الذين أرخـوا لهذه المرحلـة لـم يشيروا إلى الدور الذي لعبه في تأسيس المسرح المغربي . وقد انتقل بعد ذلك إلى مراكش حيث أسـس عـدة فـرق فـنـيـة منها : فـرقـة خاصـة بالدقة المراكشية التي جاء بأهازيجها من مدينة تارودانت ، لكنه توقف عن العمل الفني في 1953 عندما نفي السلطان محمد الخامس ، وانخرط بفضل أخيه الأكبر في خلايا المقاومة والحركة الوطنية . وكانت أول عملية كلفوا بها من طرف المقاوم حمان الفطواكي القنبلة التي انفجرت في القاعدة الأمريكية في مدينة القنيطرة . فقد خرج مع أخيه وشخصين آخـريـن لـم يـذكر اسميهما مـن مـراكش ، ولما كانت الظروف صعبة و الرقابة مشددة فقد تنكروا في هيئة ” حلايقية ” يمارسون الفرجة في الحلقة عبر الأسواق والـقـرى ، وبهذا لم يثيروا انتباه السلطات الاستعمارية ، ووصـلوا يوما إلى القاعدة العسكرية فدخلوها فـجـرا ووضعوا قنبلة موقوتة على أساس أن تنفجر في التاسعة صباحا ، وما إن خرجوا من القاعدة العسكرية حتى وقع الانفجـار لخطإ في ساعة التوقيـت ، وانطلقـت طـائرة عمودية ” هيلوكبتر ” ، فطلب من أخيه الأكبر والشخصين الآخرين أن يهربوا نحـو الغابة بينمـا هـرب هـو عبر طريـق الشاطئ ، فتبعته الطائرة وأخرج الربان يده من الطائرة وضعها على رأسه صارخا : أنت العيوش ؟ ! . لكنه مع ذلك استطاع الإفلات و اختفى في مدينة القنيطرة مدة حتى هدأت الأحوال . وبعد الاستقلال كان يستدعى إلى الرباط لعقد الاجتماعـات مـع القيادات الوطنية في الديوان  الملكي ، وكـان هـو الـذي يمنـع الخصومات التي تقع خصوصا بين السي المهدي بن بركة وشخصية سامية ، بل يتدخل لحل المشكل واقتراح الصـواب . وقـد رفـض دائما أن يعرف به وبما قام به لأنه مناضل في الخفاء ولا يريد شهرة أو جزاء ماليا . انضم إلى حركة الفقيه البصري وهرب إلى الجزائر ، وعمل ممرضـا في أحـده مستشفياتها بأجر كبير ، عاد إلى المغرب عن طريق ” جوج بغال ” دون أن يشـعر بـه أحـد واشـترى ” رياضـا ” ضخما في حي المواسين . لم يكن صاحبنا إلا مكتريا بيتا صغيرا جدا ، يواجه مالك البيت الذي يريد إفراغه بسبب مشكلا قضائيا مع الكراء القديم الهزيل . لا يكتفي عيوش بالدور الوطني النضالي الذي قام به ، بـل يـزعم أنه أول شخص في العالم متزوج من مسلمة ويهودية ومسيحية ، وتقيم كل واحدة منهن في بلد ، وهو يجمع بينهن ويزور كل شهرين إحداهن . وهو أول شخص أيضا قام بتوليد زوجته ، التي كانت على وشك الولادة فأخذها إلى المستشفى الذي يعمل به ، ولما كان يعـرف قـسـوة الممرضات على النساء ، فقد تسلل مـن النافذة ووقـف خـلـف الستار وسـمع تأوهـات زوجتـه والممرضة المسؤولة توبخها صارخة : ” ألم تتفكري في ذلك عندما كنت تحتضنين زوجك ؟ ” فغضب ودفع الممرضة نحـو الجـدار وقام بالمهمة ، فجاء ابنه إلياس ، الذي صار من كبار العلماء والذي كلفتـه مؤسسة يابانية بوضع مخطـط عـن كيفية صناعة قنبلة نوويـة دون المرور بالتعقيدات العلمية والتكاليف … والواقع أن ابنـه هـذا كان متدربا في مدرسة تكوينية مهنية عادية . روى لنا يوما ، وكان مرهقا ، أن سبب الإرهاق هـو عملـه في ” بيت الخطـر ” بالمستشفى ويقصـد قـسـم الإنعاش ، وأنـه يتـعـارك يوميـا مـع ” سيدنا عزرائيل ” ، وأنهما متعادلان فمرة يفـوز هـو ومـرة يـفـوز ملاك الموت ، لكـن المشكل الذي يواجهـه ، هـو وجـود عـفـريـت في المستشفى ، اسمه ” زم النار ” وهو خبيث جدا يعتدي على النساء على وجه الخصوص، وقد حاول الاعتداء عليـه مرة بسبب دفاعه عن المرضى و قراءته القرآن ، لكنه نجا منه والأدهى أن مدير المستشفى لا يستمع إليه ، فقد 2 اتهمت مريضـة أحـد الممرضين بالتحرش بها ليلا في الظلام ، وأحيل الممرض على المجلس التأديبي الذي عين ” عيوش ” مدافعا عنه ، فأكد للمجلس أن الأمر يتعلـق بالجني ” زم النار ” . لكـن لـم يصـدقه أحـد ( فقـد نفـوا وجود هذا العفريت لأنهم لا يعملون في ” بيت الخطر ” كما أعمل وكما عايشت الوضع … وتنهد وتحـدث مـرة عـن دوره في الحركة الوطنية التي انخرط فيها بمراكش في الأربعينات من القرن الماضي ، قبل انخراطه في المقاومة المسلحة عنـد نفي السلطان محمـد الخـامس . ذكـر أن جـده كان فقيهـا يملك السـر الأعظم أو الخاتم ، وأنه أمر جنيا من الذين في خدمته بطباعـة صـورة الملك محمـد الخـامس رحمه الله على القمر ، فكان الناس يرون صورة الملك السلطان هناك ، والفضـل يـعـود إلى الفقيـه جـده الـذي درس علـم الماورائيات في تافراوت بسـوس على يد فقهاء كبار ، وهو يعرف أن العفاريت فيها الطيب والخبيث ، لأنـه عـاش ، وهو صغير ، مع جده ، وشاهد بأم عينه قدراتـه والمردة الذين يعملون معه ، وكان جده -كمـا يقـول- لا يقـوم إلا بالخير مع من يلجؤون إليه ، فلم يسبق له أن مارس عملا شريرا ، وحتى المبالغ التي يتسلمها كفتـوح كان يصرفها على الفقراء من الجيران . وعن دوره في حركة المقاومة ، يقول : إن مولاي عبد السلام الجبلي المقاوم الكبير كان يخبئ عنده السلاح ، لأنه لم يكن معروفا لدى الدوائر الأمنية ، وكلما احتاج إليه كـان يأخـذه إليـه في حي روض الـعـروس . وبعـد مجيء الاستقلال بقيـت لـديـه سـت بـنـادق وثلاثة مسدسات وعلبتا رصاص مدفونة في عتبة الدار لا يعرف بها أحد . وقـد ” حـذرناه ” من بقاء هذه الأسلحة في هذه الظروف ، فاستهان بالأمر قائلا إن الأجهزة اللاسلكية التي كان يتصل عبرهـا بـرجـالات المقاومة مدفونة أيضا مع الأسلحة في صندوق ، وهي في الحفظ والصون ولن يعثروا عليها أبدا حتى ولـو حـفـروا ، بفضـل الجـدول الذي كتبـه لـه جـده ، فـوحـده يراها ووحده يستطيع الحفر لاستخراجها لأنها ” مثقفة ” كالكنز . روى لـنـا يـومـا أنـه سـاعد ” فلانة ” في الانتخابات ، وبفضله استطاعت أن تمر إلى المقعد الانتخابي ، وأن ذلك راجع لعلاقاته الواسعة بكل أطياف المجتمع خاصة في المدينة القديمة ، لكنـه واجـه صـعوبة مع بعـض الحرفيين خاصـة الـذين يمارسـون الدباغـة ، فـهـؤلاء لا يقتنعـون بـالمرأة منتخبـة نظـرا لطبيعتهم الخشـنة -يقول- . فكان يذهب عند صلاة الفجر إلى منزلها ويوقظها من نومهـا ، ويذهب بها إلى دار الدباغ حيـث الحـفـر والروائح المنفـرة ورجـال الدباغـة يعملون على دبـغ الجلود ، فيأمرها أن تنزل إلى حفرة ، وكانت امرأة جميلة ، لتحاور هؤلاء في عقر دارهم ، حتى اقتنعـوا أخيرا بهذه المرأة –يقـول- وصـوتوا عليها ، وهي دائما تشكرني على هذه الخطة التي نجحت مع هؤلاء الذين يرون أن المرأة لا يجوز أن تمشي في الجنازة . فكيف تناسب المقاعد في السلطة أو في الانتخابات ! وهـاهـي قـد نجحت في إظهـار العكس .