مراكش، عاصمة الفكر والثقافة والإبداع، حيث التنوع الذي تتجلى معه القيم الإنسانية والحضارية في أجلى معانيها، وفي ارقي المضامين… مراكش التي كانت ولازالت مصدر بهجة الملايين، ترتدي مع ختام العام الميلادي أثواب حداد لفراق أهل وأحبة …
مراكش/الجرح الذي ينزف قطرات قطرات، كثكلى تبكي ركب الراحلين الذين كانوا بالأمس القريب أنجما تضئ في افقها الرحب المنير، كما كانوا أزاهير تنشر العطر في كل الأرجاء… مراكش..ياحبيبة القلب الحزين..قد رحل جل الأقطاب..ورحل الأساطين..فرحل الأنس، برحيلهم.. ورحل الفكر والضياء..رحلوا جميعا بعد رحلة عمر حافل بالعطاء..فكانت حياتهم حياة زهد .. متبتلين في هيكل الحياة الرفيعة..متنكرين لذواتهم..تمجيدا منهم للحياة والإنسان والوطن.. فاستحقوا بذلك أن يخلدوا في الحرم المقدس مع الخالين.
مراكش الحبيبة.. تودع هذا العام ركبا وضيئا مـــن الخالدين : رائد من رواد الفكر العلامة الكبيرالدكتور محمد بنشريفة، والذي يعتبر بحق في طليعة الباحثين المهتمين بتراجم أعلام الغرب الإسلامي، وأستاذا جامعيا،وباحثا موسوعيا مبرزا في العديد من الجامعات المغربية والعربية المرموقة..وقبله ودعنا العلامة الأستاذ إبراهيم الهلالي..ثم رحل محمد ميهوبي الذي يمثل جزءا هاما من ذاكرة المقاومة الوطنية ..وذات صباح حزين.. ودعنا فنان الشعب الخالد الحاج حميد الزهير..كل هؤلاء قد رحلوا في صمت مطبق..مؤلم جدا عندما نقف أمام معادلة الخذلان والجحود.. مستحضرين مثل هذه القامات في ركبنا الحضاري .. متأملين وضعا تتجسد معه كل معاني التغاضي وغياب الاهتمام وتغييب ثقافة الاعتراف بحقوق أرباب الفكر والثقافة والوطنية والإعلام ، وقد كان أحرى بالمسؤولين عن هذه القطاعات بمدينتنا الغراء/الحزينة أن يهتموا لهؤلاء الأفذاذ، وهم اليوم في عداد الموتى الراحلين، وقد أجحفوا في حقوقهم بالأمس وهم بين ظهرانينا أحياء مقيمين،
عسى أن يتفادوا ببعض اهتمامهم المتأخر عن حينه ما قاموا به من جحود في حق أعمدة الوطن في مختلف مجالات الفكر والثقافة والإعلام ، عسى بذلك أن يتقبل الله منهم ذلك كفارة عن استهتارهم بواجب تكريم أبناء الأمة من الأفذاذ المخلصين، أليس من العيب ألا يحضر مراسيم تشييع جنازة مفكر أو مبدع أو مثقف مسؤول عن القطاع؟؟ وقد كنت أتابع عددا من مسؤولي مدينتنا وهم يزورون فنانين على فراش المرض، ليس لأجل التخفيف عنهم وتشخيص الوضع لأجل الدعم والمساعدة، بل فقط لأجل التقاط صور مع أولئك المبدعين والمثقفين الذين أصبحوا مقعدين ، ثم يقومون بنشر تلكم الصور على مواقعهم ضمن الشبكة العنكبوتية، وأحيانا من اجل إرفاق تلكم الصور بتقارير فارغة إلى المسؤولين عنهم بوزاراتهم ليقال عنهم بأنهم كرام مهتمون، يالها من امة ضحكت من جهلها الأمم، كما قال الشاعر العربي القديم،
هذا وتظل مراكش شامخة بشموخ أعلامها، الذين يظلون في زهد تام عن كل تكريم أو اهتمام لا ينبع من القلب، ولا يأتي من عمق الحس الوطني الصادق، وأستحضر في هذا الصدد ، للختم، مقولة كنت قرأتها للكاتب العربي يوسف إدريس في إحدى رواياته عندما قــال : (( كرموني وأنا حي، فإن مت، فشيعوني بألف لعنة)).
أحمد رمزي الغضبان