في مدينة اعتادت أن تبيع الأحلام على الورق وتُهمل التفاصيل على الأرض، يطل علينا المجلس الجماعي من جديد بمشروع “مرآب الحارثي”، مشروع تحت أرضي أعلنت عنه الجماعة بكل فخر قبل أسبوعين، ورُصدت له ميزانية ثقيلة تناهز عشرة ملايير سنتيم، لكن حتى الساعة، الإنجاز الوحيد الذي لاحظه المراكشيون هو: السياج المعدني الذي التف حول الساحة، بينما الأشغال الفعلية غائبة، تمامًا كغياب العمدة عن مدينتها.
وبينما تلتزم الجماعة الصمت حول توقيت انطلاق الأشغال الحقيقي، وتتجاهل الكشف عن هوية المهندس المعماري وباقي المتدخلين كما يفرض القانون، لا يزال السؤال الأكثر إلحاحًا وسط الساكنة: لماذا مرآب جديد هنا تحديدًا؟ وما الجدوى من ضخ عشرة ملايير سنتيم في مرآب لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مرآب “مراكش بلازا ” — المشروع الذي أنجز إبان ولاية العمدة الراحل عمر الجزولي، والذي سُلِّم للمدينة بموجب اتفاق احترافي، دون أن يكلف خزينة الجماعة درهماً واحداً، بعد نهاية مدة استغلاله القانونية.
في المقابل، لا يزال مشروع مرآب رياض العروس، الذي يرى فيه السكان أولوية حقيقية نظراً لقربه من ساحة جامع الفنا وضيق المساحات في المنطقة العتيقة، رهين رفوف الانتظار منذ انتهاء المباراة المعمارية قبل سنتين، دون أي تحرك واضح أو توضيح مقنع من طرف المجلس.
أما عن منطق الأولويات، فحدث ولا حرج : الجماعة اختارت أن تستثمر في مرآب بساحة الحارثي – حيث يوجد مرآب آخر جاهز وقريب – بدلاً من تسريع أشغال مرآب رياض العروس الذي ينتظره السكان والزوار لحل معضلة الازدحام داخل أسوار المدينة العتيقة.
وفي ظل هذا العبث، يزداد حنين المراكشيين لعهد عمر الجزولي، حين كان التسيير الجماعي يزن المشاريع بميزان المصلحة العامة وحسن التدبير، ويوقّع اتفاقيات استراتيجية تضمن للمدينة بنية تحتية قوية بأقل كلفة، عوض هذا النهج “الهاوي” الذي يختزل التسيير اليوم في تعليق لوحات الإعلان، تطويق الساحات، وتضييع الملايير، دون نتيجة تذكر .
في نهاية المطاف، يبدو أن مرآب الحارثي ليس سوى مشروع آخر يزين الواجهة ويُخفي خلفه نفس المعادلة البائسة : عمدة غائبة، مشاريع عالقة، ومدينة تنتظر جواباً لن يأتي … لأن لا أحد يجرؤ على السؤال !