قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مقارنة عبثية بين مدينتين لا يجمعهما شيء سوى حب السياحة والمعمار: برشلونة بمشروعها الشهير “كاتدرائية الساكرادا فاميليا” الذي بدأه المهندس غاودي في القرن التاسع عشر وما زال ورشاً مفتوحاً، ومراكش بمسرحها الملكي، المشروع الذي انطلق قبل أكثر من أربعين سنة… وما زال عالقاً بين براثن سوء التسيير وغياب الرؤية.
في برشلونة، المشروع يحمل طابع الخلود الفني ، ويُنجز وفق خطط واضحة تحترم ذكاء المواطن، بينما في مراكش، مشروع المسرح الملكي صار رمزاً للصمت الإداري و”البريكولاج” السياسي، يتنقل من مجلس جماعي لآخر كأنما يبحث عن من ينقذه من قدره المجهول.
المهندس الفرنسي- المغربي الراحل شارل بوكارا، الذي وقع تصميم المسرح الملكي، استوحى شكل المبنى من أوبرا إيطالية أنيقة، لكن الواقع المراكشي جاء عكس الخيال؛ مدرجات سيئة، معايير صوتية غير محترمة، أشغال بطيئة وافتتاح جزئي للمسرح في بداية الألفية، اقتصر فقط على مسرح الهواء الطلق، أما القاعة الكبرى… فما تزال حبيسة الجدران والأخطاء.
ومع دخول العمدة فاطمة الزهراء المنصوري الساحة، تعددت الوعود أكثر من الإنجازات. إبان ولايتها الأولى، حاولت إعادة إنعاش المشروع عبر مهندسين جدد، لكن النتيجة كانت صفر إنجاز، وصفر تواصل مع الساكنة التي بقيت تراقب الصمت والركود.
وفي ولايتها الثانية، عادت السيناريوهات ذاتها مع تغييرات طفيفة: مهندس معماري جديد، ميزانية إضافية بين سبعة وثمانية ملايير سنتيم، وتغطية إعلامية سخية سنة 2022 روجت لعودة الأشغال، ثم… لا شيء! مر عامان ولا حس ولا خبر، وكأن المسرح بات شأناً خاصاً لا يعني إلا أصحاب القرار.
والنتيجة، بعد سنتين؟
لا شيء يُرى، ولا صوت يُسمع، ولا حتى بلاغ يُطمئن !
سؤال البسطاء: فين وصلت الأشغال؟
سؤال الواقعيين : شكون مسؤول على هاد الكارثة التقنية والمعمارية ؟
وسؤال اليائسين: واش المسرح غادي يتحل قبل ما يتقادى عمر المهندس الجديد؟
في مدن العالم، ربط المسؤولية بالمحاسبة قيمة أساسية، وفي مراكش، يبدو أن ربط المسؤولية … مرتبط بفقدان الذاكرة الجماعية، أو “التناسي المنهجي”
وبينما تواصل برشلونة الإيمان بمشروعها عبر الشفافية ومصارحة مواطنيها، تواصل مراكش الغرق في بحر الغموض والصمت، دون حتى احترام حق الناس في معرفة مصير مشروع كلف خزينة المدينة الملايين.
وفي النهاية، ما يمكنش إلا نسجلو أن غياب السيدة العمدة عن مراكش ما بقاش مجرد صدفة أو التزام عابر، بل تحول إلى أسلوب حكم ! مدينة تغرق في المشاكل، مشاريع متعثرة، بنية تحتية تعاني، وساكنة تنتظر من ينصت، بينما العمدة غائبة عن المشهد، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأنها ضيفة مؤقتة لا مسؤولة منتخبة، يصعب على أي مراكشي أن يستوعب كيف لمدينة بحجم مراكش، بتاريخها، وبثقلها السياحي، أن تدار بهذا الشكل العشوائي المثير للشفقة. غياب العمدة المتكرر، تهميش واضح لقضايا المدينة، صمت مخيف عن المشاريع المتعثرة، وبنية تحتية تنهار مع أول زخات مطر… وكأن مراكش تحولت إلى سفينة تبحر بدون قبطان، فيما الربان مشغول بجمع الألقاب أكثر من الاهتمام بمصير الركاب.
في مراكش، بات التسيير سياسة “أترك الزمن يحل المشاكل”… أو بالأحرى، يطمرها تحت ركام الأعذار. أما العمدة، فقد اختارت أن تكون حاضرة في الصورة وغائبة عن المسؤولية، تترك المدينة تواجه واقعها المؤلم، والمواطنين يطرحون نفس السؤال كل يوم : إلى متى ستبقى مراكش ضحية لتسيير الغياب ؟