سعد سرحان
– هل كان لآخيل أرانب ؟ . كلا ، كان آخيل أرنب نفسه . ولذلك ظل يعتلي بوديوما من قلوب الناس ، بوديوما بعلو كعبه جعله متألقا بمثابة ميدالية للروح . أمام أعين جماهير من أزمنة لاحقة . ولا بد أن إكليل الغار وقتها كان في ذلك الزمن الغابر ، لم تكن الأرقام القياسية تعني شيئا . فعلاقة الوصول بالزمن كانت تختلف من شخص لآخر ، فهي عند نيرون مثلا غيرها عند جلجامش . فالأول شارك في الألعاب الأولمبية بعربة تجرها ستة أحصنة في سباق كل عرباته تجرها أربعة فقط ، فضمن التفوق منذ الانطلاقة بأرنبين من صهيل ، لذلك لم يسجل له التاريخ سوى إنجازه الناري بروما . أما الثاني فلم يكن يهمه زمن الرحلة حتى لو كان بطول ملحمة ، فالوصول يبدأ من تلك النبتة التي جعله مجرد السعي إليها خالدا . ورثة نيرون في الأرض تسلموا المشعل منه ومن يومها وهم يحرقون المراحل تلو الأخرى حتى انتشروا انتشار الرماد بعد العاصفة ، فإذا هم في كل مكان تقريبا . ففى الرياضة كما في السياسة كما في الثقافة هنالك دائما من يتقدم مخفورا بالأرانب ( وليس بالوعول كما أراد الشاعر قاسم حداد ) . وإذا كان الأمر قد أصبح مألوفا في الرياضة لدرجة تجعلني أقترح على منظمي الثقافة أمر مثير السباقات إحداث ميداليات جزرية ، وإذا كان الوصول في بعض معاجم السياسة هو الشقيق الأصغر للوصولية والمعبر المخملي إلى قلبها الكريم ، فإنه في حقا للاستغراب ، ليس فقط لأن هذا الشاعر أو ذاك يجد رافعة من وتيرة سرعته وانتشاره ، معجلة بوصوله ( إلى أين ؟ ) ، وإنما لكون تان جيشا من الارانب الثقافية تسبقه إلى الجرائد والملتقيات وحفلات التوقيع …. الأرانب تضع نفسها منذ البداية خارج المنافسة ( أية منافسة ؟ ) وتقنع صاغرة بالجزر الذي يبدو أنه لم يحسن منها البصر فأحرى البصيرة . أما درس جلجامش فقد كان قاسيا ، لذلك لم يستوعبه جيدا عبر التاريخ إلا القليل من البشر ، وعزاؤنا في من لا يزال منهم بين ظهرانينا .