سعد سرحان
يمكن الحديث في المغرب عن عدة أصناف من المثقفين . فهناك مثقفون كبار تعتبر مؤلفاتهم اساسية ، ليس في المغرب وحده ، وإنما في العالم العربي كله ، بل إن منهم من يحظى بتقدير خاص حتى في الغرب . وهؤلاء هم وجهنا الثقافي في مرايا الآخرين . وهناك مثقفون يطوفون حول قفص السلطة حتى إذا نجحوا في التسلل إليه صاروا في اليوم الموالي إلى ما صارت إليه النمور في اليوم العاشر . وهناك مثقفون مصابون بعقدة الرئاسة ، وهي عقدة عالمثالثية تمتد من رئيس ودادية سكنية حتى رئيس إحدى جمهوريات الموز ، وهؤلاء يلجأون إلى كل الوسائل لتصدر المشهد الثقافي ، فيستجيرون بأحزابهم ويسخرون بطانتهم ويقدمون رشاوى ثقافية … وكل ذلك من أجل أن يصبحوا رؤساء شيء ما . فإذا فشلوا ( وهم قلما يفشلون ) بعد كل هكذا سعي ، فإنهم يؤسسون شيئا آخر ويرأسونه ، ولا يبرحون كرسي الرئاسة ( وهو ليس من نوع طيفال ) إلا بعد استنفاد الولايات المسموح بها ، وهي مدة كافية لإعداد أولياء عهدهم . وثمة مثقفو الأحياء ( على غرار فرق الأحياء ) الذين يتنافسون في الانحناء وتقديم فروض الطاعة لأي كائن ثقافي قادم من خارج مدينتهم ، حتى لو كان بطول عقب سيجارة . لذلك تجدهم يتقلصون كلما ابتعدوا عن حاراتهم ، فإذا وصل الواحد منهم إلى مدينة أخرى أصبح كائنا مجهريا . إن أقصى طموح هذه « الخشيبات الثقافية » أن تصبح للعد كأصوات في مؤتمر ما . إن القطع الثمينة في الشطرنج الثقافي أصبحت تأنف من رقعته ، تاركة إياها لبقية القطع التي تتراوح بين بيدق الصف والبيدق الممتاز .
تحضرني في هذا السياق قصة جحا مع ضيفه . فقد أطعمه في الوجبة الأولى أرنبا وفي الوجبة الثانية مرق الأرنب ، ولأن الضيف لم يغادر ، فقد قدم له جها صحن ماء مع الخبز ، ولما سأله الضيف ماذا يكون ذاك الطعام أجابه جحا : إنه مرق مرق الأرنب . فبالله ، أليس مضحكا منظر هؤلاء المثقفين الذين يمرون أمامنا أحيانًا وهم يتجشأون مرق مرق مرق الأرنب ؟