يشكل مركز الاستقبال النهاري لمرضى الزهايمر الذي دشنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالرباط يوم 28 ماي 2017 ، تجربة وطنية رائدة تستحق التعميم .
وقد تم إحداث هذا المركز الذي يعد الأول من نوعه على الصعيد العربي والإفريقي، في قلب حي النهضة في إطار السياسة الاجتماعية للقرب التي ينتهجها جلالة الملك، وعبر برنامج مؤسسة محمد الخامس للتضامن الرامي إلى تعزيز القطاع الطبي الوطني عبر مشاريع ذات طابع اجتماعي.
وفي هذا السياق، بادرت مؤسسة محمد الخامس للتضامن إلى دعم جمعية “مغرب الزهايمر” الناشطة في مجال مكافحة مرض الزهايمر منذ 16 سنة، في إطار مستشفى الاختصاصات بقسم الأعصاب، حيث تقوم بعمليات التشخيص وتكوين الأطباء وتوعية عائلات المرضى ودعمهم نفسيا عبر مجموعات، بما يجعلهم أقدر على التعامل مع المريض والتعايش مع الوضع المستجد داخل العائلة .
وتقديرا لهذه المسؤولية، يقول البروفيسور مصطفى العلوي فارس، مدير المركز، فإن هذا الأخير (المركز) لا يألو جهدا في القيام بدوره على مستوى التحسيس والوقاية والعلاج والتكوين ، حيث يستقبل الحالات المشخصة طبيا على أنها مصابة بمرض الزهايمر في مرحلته الأولى (اضطراب الذاكرة الذي لم ينتقل بعد إلى مرحلة الاضطرابات السلوكية التي تعوق استفادة المريض من خدمات المركز )، لتعرض حالتهم مرة أخرى على أساتذة أخصائيين متطوعين بالمركز للتأكد من إصابتهم بالمرض، ثم تعطى لهم ولعائلاتهم التوجيهات الضرورية وتقدم لهم برامج الاستفادة من خدمات هذه المؤسسة .
وأضاف السيد فارس، الأخصائي في الأعصاب ” نقوم سنويا باجتماعين أو ثلاث مع عائلات المرضى من أجل الإنصات إليهم ودعمهم نفسيا، وتقديم النصائح والتوجيهات الضرورية الخاصة بالمريض وكيفية التعامل معه”.
ويقدم هذا المركز الطبي الاجتماعي، المكون من طابقين، وفق معايير دولية وبطاقة استيعابية تصل إلى 100 مستفيد، خدمات الترويض بأنواعه الطبية المختلفة المرتبطة بالذاكرة والنطق والتحليل والحركة وغيرها تحت إشراف طاقم طبي متخصص من بينهم متطوعون، وذلك مرة إلى ثلاث مرات في الأسبوع حسب حاجة المريض.
كما يتضمن برنامج المركز أوراشا متنوعة وأنشطة ترفيهية ملائمة تنمي القدرات الذهنية والحسية والحركية للمريض تبعا لرغبته كالرسم والتلوين والموسيقى وغيرها بتأطير من مساعدين ومساعدات من خريجي برامج التكوين بالمركز، إلى جانب أطر من جمعيات في إطار اتفاقيات مشتركة، فضلا عن تقديم برامج سيكولوجية تطبقها عائلة المريض في المنزل .
كما تنظم بالمركز وجبات إفطار جماعية قبل بداية الحصص الطبية تضم الأخصائيين والمرضى وعائلاتهم بغاية التواصل والتوجيه وتبادل التجارب وتعزيز الصلة الاجتماعية وخلق أجواء عائلية بينهم ، فيما يخصص مساء الإثنين من كل أسبوع لحصة الطبخ العلاجي بشكل مجاني، والتي يشارك فيها المرضى لتعزيز قدراتهم ومهاراتهم الوظيفية والذهنية والحسية.
وفي إطار الجهود المبذولة لتطوير خدمات مركز الاستقبال النهاري لمرضى الزهايمر، يقوم هذا الأخير حاليا ، حسب البروفيسور فارس، بترجمة بروتكول متطور معتمد في بريطانيا في علاج مرضى الزهايمر، إلى اللغتين العربية والأمازيغية، كما يجري الاشتغال على ملاءمته مع خصوصيات المجتمع المغربي ومع المستويات العلمية والمهارية المختلفة للمرضى وذويهم، مما يتطلب جهدا علميا مهما لإنجازه.
وتنقسم تطبيقات هذا البروتوكول ، حسب البروفيسور، بين برامج تنفذ بالمركز وأخرى تطبق منزليا مع المريض وتتطلب تعاونا وثيقا بين المركز ومرافقيه الأسريين للحصول على نتائج صحية أفضل.
ويساعد في تأمين استمرارية هذه الخدمات وتغطية نفقات التسيير بالمركز ، حسب مديره ، على الخصوص، مؤسسة محمد الخامس للتضامن ومؤسسة التعاون الوطني، إلى جانب مساهمات ذوي المرضى التي تتراوح بين 200 درهم و 1000 درهم شهريا مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المادية والاجتماعية للمريض، حيث تستفيد الفئات المعوزة من تخفيض بنسبة 50 إلى 75 في المائة ، لافتا إلى أن تطوير عمل المركز والرفع من عدد المستفيدين منه رهين بوجود دعم قار وكاف لتغطية تكاليف خدماته وضمان استمراريتها بجودة عالية.
وفي هذا السياق، أشار السيد فارس إلى أن المركز يعمل حاليا بأقل من 50 في المائة من مؤهلاته بسبب غياب العدد الكافي من الأطر المتخصصة الملائمة لطاقته الاستيعابية الفعلية البالغة 100 مريض بدل 45 حاليا .
ويرى البروفيسور مصطفى فارس أن مركز الاستقبال النهاري لمرضى الزهايمر لديه من المؤهلات العلمية والمهنية المتمثلة في كفاءاته الطبية في أمراض الأعصاب والزهايمر، إلى جانب امتلاكه للخبرة الميدانية، ما يجعله أقدر على القيام بإحصائيات حول المرض لو توفر الدعم المالي الكافي لذلك، مشيرا إلى أن المركز بصدد التفكير، في حال توفر هذه الإمكانيات، في إجراء إحصاء ميداني على عينات من الساكنة، كحي النهضة مثلا، لرصد عدد المرضى فيها “إيمانا منا بأهمية البيانات الإحصائية كقاعدة لرسم سياسة صحية فعالة، وترشيد التخصصات الطبية بالمغرب”.
وحول تطلعاته الوطنية للنهوض بهذا المجال، يأمل البروفيسور فارس في أن يتمكن المركز من تكوين أخصائيين لتقديم خدماتهم بمراكز قرب أخرى على الصعيد الوطني ، وتطوير البحث العلمي بالمملكة في مجال مكافحة مرض الزهايمر