إدريس الأندلسي
كثيرة هي الصور و الاستعارات اللغوية التي سيطرت على خطابات من اعتادوا على التملق لإسرائيل. هم رؤساء دول غربية و حكومات و أشباه مثقفين و بالطبع أصحاب المصالح الكبرى التي تتأثر بغضب زعماء صهيون. وزير أول إنجلترا كسر كل القواعد رغم أصوله لينبطح في مطار بن غوريون و يقدم فروض الطاعة. جاء مدججا بالسلاح و ملامح وجهه تكاد تعبر عن رغبته في الذهاب إلى غزة لتجريب قوة الصواريخ الإنجليزية في تدمير المنازل و المستشفيات و المدارس و رفع حدة قتل الأطفال و النساء و الشيوخ. حفيد بلفور ” غير الشرعي” يريد أن يوسع الوعد المشؤوم و يدعم كل المذابح. من استقبلوه اكتفوا بقليل من كلمات ديبلوماسية و هم ينظرون إليه نظرة فوقية تعكس أصولهم الأوروبية المحتقرة للثقافات و القيم الشرقية التي تربى عليها اجداد ” ريشي صوناك” في البنجاب بالهند. و بالطبع يؤكد هذا الانبطاح الخوف من اللوبي الصهيوني المسيطر على الأسواق و الإعلام في الغرب.
وتستمر عملية القسم على الولاء لإسرائيل في فرنسا التي أصبح سياسيوها في وادي الانبطاح و شعبها في عمق مساندة حرية و حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية و المشروعة و المدينة لكل أشكال الاعتداء على المدنيين مهما كان مصدرها. من يعرف تاريخ مساندة قادة فرنسا المثقفين و الملتزمين بالمبادىء الإنسانية الحقة، يستغرب للمستوى الذي اضحت عليه نخبة من صنع لوبيات المال و الإقتصاد و الإعلام. أما الجد الأمريكي بايدن فقد كاد أن يرمي بنفسه من أعلى سلم الطائرة ليعانق صهاينة إسرائيل و يضمهم إلى صدره و يساندهم بالسلاح الفتاك. هذا الرجل ظل على مواقفه منذ عقود حيث أعتبر و لا زال يعتبر الصهيونية من ضرورات الوجود للغرب و لبلاده. و قد كان وزيره في الخارجية أكثر تعبيرا عن الحزن. أكد لنتانياهو أنه جاء إلى إسرائيل ليتكلم كيهودي و ليس كوزير. و ماذا بعد كل هذا التجاهل لويلات شعب تتم محاصرته و يتعرض للتقتيل يوميا منذ أكثر من سبعين سنة. التجاهل المتعمد يسيطر على أغلب القنوات التلفزية و الإذاعية. فبمجرد أن يغرد صوت خارج إجماع فلول مطيعي الصهيونية، تتكشر الانياب و تصدر حكمها على أي صوت متوازن بأنه معاد للسامية. يمنع على متدخل في أي نقاش أن يربط ما جرى يوم هجوم حماس بما يجري من حصار و قصف و التنكيل بأكثر من مليوني فلسطيني منذ عشرات السنين. كم يشبه هذا التعامل ما يجري في مجال البحث التاريخي عن الحركة الصهيونية و عن حقوق الشعب الفلسطيني. ا ليس هذا جوهر غياب الحياد و الدوس عن الموضوعية العلمية و إجبار الجامعات و مراكز البحوث على عدم الخوض في كل موضوع يزحزح النظرة الأحادية للتاريخ و للعلوم الإنسانية. و بالفعل صدر توجيه على شكل أوامر لأكبر الجامعات الأمريكية لمساندة الصهيونية و التعامل ” بحزم و دون تسامح” مع من يحاول التشكيك في روايات الصهيونية.
و سيرا على نهج معاداة حقوق الإنسان الفلسطيني، سارعت رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتطرفة الحاملة لفكر الفاشيستي موسوليني و المتقنة لحروب الكلام و للعناق و الغمز إلى الحج الصهيوني لكي تقول ما قاله زملاءها الألمان و الإنجليز و الفرنسيين و الأمريكيتين. هؤلاء انتعشت لديهم الرغبة في إعادة إنتاج خطاب كولونيالي متخلف لا يرى سببا في محاولة إعطاء معنى إنساني للمساواة بين البشر. كلهم في صف متهلهل و بئيس لتصديق ما تنتجه صناعة الكذب الإسرائيلية. الطفل الفلسطيني بالنسبة لهم لا يدخل ضمن الخسائر البشرية و الأمر كذلك لضحايا قصف المدارس و المستشفيات و المنازل و حتى قوافل المساعدة الإنسانية القادمة من معبر رفح. هؤلاء لا يرون و لا يريدون احتساب قتلى الشعب الفلسطيني الذين تجاوزوا خمسة آلاف ضحية ، جلهم أطفال. و بالمقابل يرون في القتيل الإسرائيلي قمة الإرهاب و العنف و يكادون ينكرون الاحتلال و نتائجه الكارثية التي تباركها حكوماتهم. و أغرب الغرائب أن قادة أوروبا و الولايات المتحدة رفضوا خلال قمة مصر من أجل السلام توصية تنادي بإيقاف الحرب. و بالمقابل يريدون إشعال كل الجبهات بأسلحتهم. و يظل شبح اتساع رقعة العنف جغرافيا واردا. رؤساء الغرب يشعلون نار الصراع و يطلبون من إيران و روسيا و الصين و العالم الإسلامي و حزب الله، عدم التدخل. إنها قمة التخاذل في ظل عدم حيادهم و رفضهم للسلام و دعمهم اللامشروط لإسرائيل لكي يستمر الإستعمار. حاكم فرنسا يريد أن يلعب دورا أكبر منه عبر دعوته لحلف ضد حماس. نداءه ذهب ادراج الرياح.
و لكن شعوب العالم و أغلبية المفكرين و السياسيين و العارفين بغطرسة الغرب و تاريخه الإستعماري الأسود و شراهته المستمرة للسيطرة على خيرات أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية، أصبحوا أكثر وعيا بالكذب و صناعة العنف في قراءة ما يجري اليوم. شعوبهم تنقلب كل يوم على الخطاب الرسمي و تجبرهم على التراجع. و لعل زخم المظاهرات عبر العالم علامة على زحزحة قلاع اللوبيات المعادية لكل حقوق الإنسان. ما بعد الأزمة الحالية، التي لا زالت في صيرورة بين التصعيد و تخفيف حدتها، ستكون فيها وضعية إسرائيل أكثر هشاشة. أمريكا منهكة اقتصاديا و سياسيا و أوروبا مقبلة على صراعات اجتماعية تزيدها حرب أوكرانيا و ثقل تكلفتها حدة و تفاقما. فبين الاستجابة لحاجيات الطبقات الإجتماعي المتوسطة و تمويلها و بين الدعم بالملايير لأوكرانيا و إسرائيل ، يقف القرار السياسي في منطقة زلازل قد تكون مدمرة. لكل هذا تفتقد الصهيونية للقوة اللازمة لاستمرار مطبخها في صنع الكذب و الفظاعات و الضغط عبر اللوبيات.