3542
إدريس الأندلسي
تعلمت أن أفرق بين الفدائي و المغتصب للأرض في فلسطين في الحي الذي تربيت و عشت فيه طفولتي و جزءا من شبابي. هذا الحي قديم جدا و يوجد بين ضريحي أبي العباس السبتي المعلم في مجال ” الجود” أو لنقل بلغة عصرنا ” الإقتصاد التضامني الإجتماعي “، و ضريح سليمان الجزولي الذي أسس لثقافة صوفية امتزجت بتحرير الأرض من طغيان البرتغال. كان ذلك سنة 1967 بعد حرب شاركت فيها أمريكا و لم تكن فيها إسرائيل إلا مجرد مستفيد فوري. الأمر أن هذا الكيان لم ينتصر أبدأ و لكن حماته من الغرب هم من سخروا كل إمكانياتهم لفرضه على الشرق الأوسط. و الدليل هو ما نشاهده اليوم من تحرك حاملات طائرات و اساطيل انجليزية و زيارات لمحاباة نتنياهو المجرم.
حكى لي صديق عن واقعة جرت في مراكش الحمراء، التي لملمت جراحها بصعوبة و تضامن لتعيد انفتاحها على زائريها ، و التي سببت لي كثيرا من الألم. ككل مغربي حر و وفي لشعبه و لقضاياه الوطنية و القومية، وضع صاحب مطعم أعلام فلسطين في أركان مطعمه. و كيف لا يمكن أن يختلف هذا المشهد عن مشاهد التضامن اللامشروط لكل المغاربة مع ما يتعرض له اخوتهم في غزة و في القطاع من بطش على أيدي الصهيونية المدعومة من أمريكا و الغرب الذي أسس للإستثمار و الذي باع أرضا غير أرضه لمليارديرات يهودية و صهيونية لاغتصاب أرض شعب فلسطين. و هكذا حصلت الجريمة في أرض كانت منفتحة على كل الديانات و الثقافات. الأمر و ما فيه تزييف للتاريخ و صرف الملايير للسيطرة على كل المؤسسات الإعلامية و على الحكومات بعد الحرب العالمية الثانية.
و بعد ذلك بدأ مسلسل التحريم. تحريم الكلام عن الحقيقة و عن إغتصاب أراضي فلسطين من طرف أناس غير يهود أتوا من شرق أوروبا ليكونوا عصابات صهيونية و يشوهون التاريخ و كل القيم الإنسانية. في مراكش كان المطعم جميلا و صاحبه يقدم الوجبات لكل المواطنين و السياح بكثير من الترحيب. و في خضم ما حصل بعد السابع من أكتوبر و استمرار الهمجية الإستعمارية الصهيونية النازية، أصبح المطعم المراكشي مكانا، كغيره من الأماكن، للتعبير عن رفض فعل تصفية الشعب الفلسطيني البطل في غزة. كل من أتى إلى هذا المطعم المراكشي حمل معه علما فلسطينيا و علقه في ركن معين أو في إطار لوحة فنية و حتى في مداخل القاعة و المطبخ. استهوى منظر الأعلام الفلسطينية الكثير من الأطفال الذين شاهدوا لأول مرة في حياتهم لون الصهيونية. عرفوا حقيقة الإستعمار و قالت قلوبهم الصغيرة لعقولهم اليافعة أن الأمر يتعلق بشكل من أشكال تدمير الإنسانية. رجع الأطفال إلى بيوتهم خلف سور المدينة القديمة و حتى في بعض أحياء مراكش الجديدة.
أصر احد الأطفال على العودة إلى المطعم لكي يشاهد الأعلام الفلسطينية ترفرف فوق رأسه و هو يلتهم تلك الحلوى الفلسطينية التي أصر صاحب المطعم على تخصيصها للأطفال. وصل الطفل و قبل أن يطلب تلك الحلوى إنتبه إلى أن الأعلام الفلسطينية اختفت من المطعم. انغلقت الشهية لديه و رجعت صور جراح أطفال غزة إلى ذاكرته. انسدت شهيته و خامرته الأسئلة عن من سرق أعلام فلسطين من مكان أحبه بكثير من الوفاء. كاد الطفل أن يهجم على صاحب المطعم لعدم توشيح الفضاء بالأعلام الفلسطينية. قال صاحب المطعم أن الأعلام تمت مصادرتها . انزعج الطفل فقال، هل وصل الصهاينة إلى المطعم الذي احب بمراكش. انقطع شريط الكلام. الأمر و ما فيه أن الأمر صدر عن جهة تخضع لكل أمر. و من نفذوه كلهم إيمان بقضية تسكنهم إلى النخاع. الأعلام الفلسطينية موجودة في مراكش إلى الأبد رغم من يتلقون الأوامر لنزعها. مشكلتهم أنها مغروسة في القلوب و ليست معلقة على أعمدة من خشب. صمودا…صمود القدر… عاشت فلسطين و هذا قسم المغاربة. و لكل من يريد التدخل في قضية وحدتنا الترابية نؤكد أن المغرب لن يفرط أبدأ في حقوق شعب فلسطين. لن نساوم أبدأ لن نساوم. و سيرفرف العلم الفلسطيني للأبد فس الآفاق كما يرفرف علم المغرب في المغرب من أقصاه إلى أقصاه. سيعود الأطفال إلى مطعم مراكش المزدان بأعلام فلسطين. و حينها سيزداد عشقهم لتراث فلسطين و سيقبلون على المقلوبة و على المنقوش و الزعتر و على جمال فلسطين.