إدريس الأندلسي
كيف يمكن أن نشكر من يدخل الفرحة على أو في النفوس، سؤال أصبح عميق المرامي و الأهداف. نعم الفرحة الكبرى لا يمكن وصفها بكلمات و لا يمكن قياس أثرها بسهولة. مضت أسابيع على ما صنعه شباب مغاربة حتى النخاع في قطر خلال كأس العالم، و لكن مشهد الانتصارات لا زال يفرض صوره على هذا الحاضر. كثير من المواطنين لا زالوا يعيشون الحدث على اليوتوب و أشعر بكثير من السعادة المتجددة كلما شاهدت ما صنعه أبطال الفريق الوطني المغربي. ويظل سؤال التفوق و أسبابه و ضرورة انتقال ” عدواه” إلى قطاعات أخرى برغبة و شراسة و عقلانية حاضر بقوة . إنتصار الفريق الوطني المبهر لا يجب أن يمر كالطيف لكن أن يحضر دائما في واقعنا في التربية و التعليم و الإبداع الفلاحي و الصناعي و الخدماتي و الأخلاقي و في قطاع العدالة و المنافسة
أريد أن أنسى حضور بعض البؤساء فكريا و تربويا من الباعة المتجولين الأغنياء الذين تسللوا إلى قطر و أرادوا استغلال علاقات حب و وفاء بين مغاربة و وطنهم. باعوا تذاكر و سيفتضح أمرهم بعد المدة التي ستتطلبها الأبحاث القضائية و الإدارية. أبناء المغرب أحرار في إختيار اللعب تحت راية بلادهم و قلبهم هي البوصلة. لم أشاهد ابدا تعبيرات الانتماء في عمقها مثلما شاهدتها على وجوه زياش و حكيمي و مزراوي و امبرابط و سايس و بونو و… و كل اللاعبين. كانوا يعبرون بتلقائية على الانتماء و الوفاء لقيم روحية و إنسانية عميقة. لا و ألف لا ، الفريق الوطني المغربي لم يعبر عن انحياز لعرق أو ملة أو ايديولوجية. عبر فقط عن رغبة في التعبير عن الوجود في عالم لا زالت تحكمه قيم التفوق الغربي رغم انتهاء فترة الإستعمار المباشر. لكن سلوك المستعمر لا زال يسكن العالم الغربي الذي يريد أن يظل الوصي على العقول و على الموارد الطبيعية و كذلك على القرار السياسي و الإقتصادي
الانتصارات المتتالية كرويا لم تكن مجرد لحظات عابرة. كانت بكل صيغ الحضور المباشر و الغياب عن الملعب تأكيدا على هذا الحدث الكروي الرائع. لا زلت أتذكر تأهل المغرب إلى كأس العالم بروسيا. قال فوزي لقجع خلال برنامج ديكريبتاج، الذي كنت أنشطه، قبل سنين أن الحلم المشروع يجب أن يبنى على مشروع. هذا الشاب و الزميل أيضا كان يحضر إلى استوديو إذاعة م ف م على متن سيارة متواضعة و كان لا يعبر آنذاك عن رغبة في الإستمرار في قيادة سفينة كرة القدم. و لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن و لا الرغبات و أستمر فوزي لقجع في المسك بأمور كرة القدم بكثير من الإلتزام و بقليل من التفكير في خطورة علاقة تدبير كرة على مساره المهني الذي كان بداية حضوره كمسؤول بالوزارة.
صناع الفرح في الوطن قليلون و كثير منهم يختفون حين يحضر من فضلوا الغياب عن الحضور في إنتظار سقطة أو هزيمة. اليوم نسجل الحاضر و الغائب و نفتح صفحات كتبت بعرق متدفق من جبين أبناء الوطن. كانوا مثل تلك الكائنات التي لا تبحث عن مجد شخصي و لكن عن فخر لوطن يحب موقعه الأفريقي و العربي و الامازيغي و الإنساني. هكذا كان زئير أسود الاطلس في موقعة رياضية لا جنس لها و لا عنصرية.
ما جرى في قطر لا يمكن أن يغيب عن الفكر الوطني و الإنساني. أصبحت صور الانتصارات ملاذا للكثيرين و قد تصبح جزءا من أي بروتوكول علاجي للولوج إلى عالم الفرح بالإنجاز. سبق أن اقترحت ضرورة التفكير في أخذ العبرة من حدث عالمي و التفكير في أسلوب التدبير العمومي و مناهجه كما عبر عنها المدرب الركراكي. احمد ألله أننا اكتشفنا بداية الطريق إلى البناء بتواضع و بنية سليمة. لن اقرأ نتائج الكرة و مقارنتها مع تحديات تتعلق بحكامة و سياسات عمومية، و لكن تدبير أمور كرة القدم ببلادنا تحتم علينا كثيرا من القراءات العقلانية. التدبير لا يعني، لحد الآن، مشهدا عاما و لكن اختيارات للأليات و قرارات في الوقت المناسب.
صناع الفرحة كانوا شبه مقصين من اختيارات المدرب السابق للفريق الوطني. سمعت كلام فوزي لفجع بعد صمت طويل عن بوفال و حكيمي، و آنذاك بدأت، كمغربي عاشق لفريق وطنه، أشعر بقدرة المسؤول على تغيير المسار. نعم أصبحت متيقنا أن صناع الفرحة مواطنون لهم قدرات خارقة و أكثرهم متواضعون جدا. استطاع فوزي لفجع أن يتملك القرار كعاشق للكرة كغيره من عشاق الوطن و كمستمع جيد لهمس عشاق الساحرة المستديرة. أتمنى بكل قوة أن تصبح منظومة كرة القدم في كافة أرجاء الوطن بين الأيدي الامينة و القادرة على العطاء . أتمنى أن تختفي إلى الأبد تلك الأيادي التي تعيش التسول بإسم عشق الكرة. أتمنى أن يكون كل مسؤول سياسي و اقتصادي قادرا على صناعة الفرحة. من لا يفرح لإنجازات أبناء الوطن. ليس منا.