عبد الله المعاوي
النص القرآني في حد ذاته مناقض لعدم معرفة المنزل عليه للقراءة والكتابة
إن أول لفظ ينزل من الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأول أمر : هو لفظ : إقرأ . فهل يعقل أن يصدر الأمر لإنسان بالقراءة وهو يجهلها ؟ طبعا لا . وسواء كان الأمر متعلقا بقراءة المكتوب أو بإعادة قراءة المسموع فإن الأمر متعلق بالنص المكون من مجموعة من الحروف . وفرضية قراءة الحروف التي نتبناها نستند في ميل كفتها على المعطيات التالية :
1 إعطاء الأمر بالقراءة في مقدمة السورة .
2 ربط القراءة بالتعلم .وكل تعلم كما هو متعارف عليه يبدأ بتعلم الحروف . مما يلزم قراءة شكلها وكتابتها.
3 ربط تعلم القراءة بأدواتها : التعلم بالقلم في مقدمة الأدوات العريقة للتعلم .
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العلق :
باسم الله الرحمان الرحيم إقرأ باسم ربك الذي خلق . الآية (1)خلق الإنسان من علق. الآية (2).إقرأ وربك الأكرم. الآية (3). الذي علم بالقلم. الآية ( (4) علم الإنسان ما لم يعلم . الآية (5).
يقول الدكتور نجيب محمد البهبيتي في كتابه تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري الطبعة الثالثة 1967 ص 192 :
لقد كان الشعر الجاهلي الباقي حتى ذلك الحين ، والذي نقله رواة العراق ، وشغلوا به ، مكتوبا . وقع لهم تراثا لم يقع مثله للأقطار الإسلامية الأخرى.
ولكن قد يسأل سائل : وكيف بقي هذا الشعر من شعر الجاهليين مكتوبا، والعرب كانوا في جاهليتهم أمة من الأميين ، وهؤلاء الشعراء أنفسهم كانوا أميين : لا يعرفون القراءة والكتابة ؟وهذه الكتابة إنما نزلت بهم جديدة في عهد لم يسبق الإسلام بطويل زمان.
ثم أكد الدكتور محمد نجيب البهبيتي وجهة النظر هذه قائلا :
لم تكن العرب أمة غير كاتبة – وردي على ذلك أن العرب لم تكن أمة من الأميين : وأن الكتابة لم تكن أمرا طارئا عليهم ، ولا شيئا جديدا في حياتهم . فهي قد لازمتهم منذ فجر تنبههم ، يجري عليهم في ذلك القانون الذي جرى على إخوانهم ، وأبناء عمومتهم من الأمم السامية …ففن الكتابة في الشرق كان مناظرا ومعاصرا لمشرق الحضارة ، وبزوغ شمس العمران . كان هذا الفن جزءا أصيلا من الثقافة الشرقية الباكرة ، سايرها ورافقها على الزمان توأمان لا يفترقان ، فكان يصطنع لأداء أغراض سياسية أحقابا طويلة قبل مولد إبراهيم ، في أور مدينة الكلدانيين . وقد أسست المكتبات ، وحجرات الملفات على ضفاف الفرات والنيل جميعا .
.. إلى أن قال :
وهل يخاطب الله نبيا بعث في أمة من الأميين بقوله ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) وهل يقسم الله في قرآنه قسمه (ن والقلم وما يسطرون ) والقرآن تخاطب به أمة من الأميين ؟
ومما يدل على شيوع القراءة والكتابة في أمة محمد ، قوله تعالى في سورة البينة :
باسم الله الرحمان الرحيم لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تاتيهم البينة. الأية (1). رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة. الآية (2). فيها كتب قيمة. الآية (3). وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة. الآية (4).
ففي مجتمع محمد عليه الصلاة والسلام كانت هناك كتب سماوية متداولة بين أهلها. وكانت هناك وثنية وشرك بالله . وكانت هناك صحف متعددة المضامين .إلى أن بدأت تكتب الصحف الإسلامية الجديدة التي تملى من النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد تلقي نصوصها من الله سبحانه وتعالى .إن هذه الصحف الجديدة هي التي سماها القرآن الكريم بالصحف المطهرة وهي التي ستحمل بعد ذلك أسماء متعددة منها كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومنها القرآن وكلام الله والفرقان.
ومثلما تنشر صحف الناس في دارة الدنيا ستنشر أمام أعينهم في يوم البعث ليقرؤوا فيها أعمالهم .
قال تعالى في سورة الزلزلة :
يومئذ يصدر الناس أشتاتا.الآية (6). ليرو أعمالهم.(7) .فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.(8) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . الآية (9).