عبد الله المعاوي
المجتمع العربي قبل الإسلام يتجاذبه مكونان: الكتاب الإلهي والوثنية.
قال تعالى في سورة ءال عمران :
إن الدين عند الله الإسلام ، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم، بغيا بينهم ، ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب. الآية (19). فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني ، وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءآسلمتم ، فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ، والله بصير بالعباد. الآية (20).
الخطاب في الآيتين الكريمتين موجه للكتابيين. وهم مكون من مكونات المجتمع العربي بالجزيرة العربية قبل انبعاث الرسالة المحمدية . والكتابان المقدسان الأكثر تداولا آنذاك هما التوراة والإنجيل . إذن الخطاب موجه لنصارى شبه الجزيرة العربية ويهودها . وموجه كذلك للمكون العربي الذي لا كتاب له . وهو المقصود بلفظ (الأميين ). والآيتان الكريمتان تطرحان ما كان يقوم به نصارى شبه الجزيرة ويهودها وخاصة الناقمين منهم على الدين المحمدي الجديد ، من تحريف حتى لما جاء به كتابهما . وخاصة ما يتعلق بالتبشير بمجيء محمد عليه الصلاة والسلام . فهما يتنكران بشكل كبير للتبشير ببعثه كخاتم للأنبياء والمرسلين . وفي الآية الثانية يوجه الله سبحانه تعالى الأمر لنبيه الكريم باستفسار الكتابيين: النصارى واليهود . وغير الكتابيين وهم باقي عرب شبه الجزيرة الذين لا دين لهم ،عن مدى رغبتهم في الدخول إلى لإسلام أم لا. وإخبارهم بأن هذا الدخول سيمكنهم من الاهتداء إلى الطريق المستقيم .وإن رفضوا ذلك فإن مصيرهم بيد الله . ثم يطمئنه سبحانه وتعالى بأن مسؤوليته تنتهي في إبلاغ رسالة ربه فقط . أما بعد ذلك فالله سبحانه وتعالى هو البصير بمآل عباده .
فمعنى الأمي في هذه الآية الكريمة واضح . فهو المعامل المقابل للكتابي ، وليس هو غير العارف بالقراءة والكتابة المثبت في قواميس اللغة العربية.
في نفس التقابل سيقوم صراع بين الجانبين في بعض المعاملات التجارية التي يستغل فيها الكتابيون موقعهم الديني الاستعلائي ، باعتبار أن غيرهم أقل درجة وأقل استحقاقا في تحقيق حقوقه. إلى درجة إباحة هضم تلك الحقوق . قال تعالى في مكان آخر من نفس السورة :
ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يوديه إليك ،ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤديه إليك إلا ما دمت عليه قائما ، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون . سورة آل عمران . الآية (74).
فالمجوز لهم للظلم في نظرهم هو اصطفاءهم بالكتاب المنزل على نبيهم وهو المجوز لاحتقارهم لباقي المكونات الاجتماعية في شبه الجزيرة العربية ممن لا كتاب لهم .
إن هذا التقابل الثنائي من منطلق الأديان السماوية هو الذي تؤكده جميع الدراسات التي مسحت الواقع الاجتماعي بشبه الجزيرة العربية والتي تؤكد أن إياداً كلها، وربيعة كلها، وبكرا، وتغلب، والنمر، وعبد القيس، كلهم نصارى؛ وكذلك غسان، وبنو الحارث بن كعب بنجران، وطيئ، وتنوخ، وكثير من كلب، وكل من سكن الحيرة من تميم ولخم وغيرهم.
وكانت حمير يهوداً، وكثيرٌ من كندة.وكانت خثعم لا تدين بشيء أصلاً.وكانت المجوسية قد ظهرت في بني تميم، وقيل: إن لقيط بن زرارة كان قد تمجس. وكانت سائر قبائل العرب عباد أوثان.
وكان قد تنصر من قريش نفر يسير، وهم شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، وعثمان بن الحوريث بن أسد بن عبد العزى بن قصي؛ وابن عمه لحا: ورقة بن نوفل بن أسد، ولا عقب للحوريث ولا لورقة؛ وأما عقب أبيه نوفل، فقد انقطع أو درس؛ فلا يعرف منهم أحد.