عبد الله المعاوي
القراءة والكتابة ينفيان شيوع الأمية بمفهومها اللغوي في المجتمع العربي الجاهلي والإسلامي
قال تعالى في سورة يونس:
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إيت بقرآن غير هذا أو بدله ، قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ، إن اتبع إلا ما يوحي إلي ، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم .الآية (15 ).قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ، فقد لبث فيكم عمرا من قبله ، أفلا تعقلون. الآية ( 16 ).فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ، إنه لا يفلح المجرمون. الآية ( 17).
لقد لبث النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بين قومه وهم آنذاك بدون كتاب منزل من الله تعالى . وبدون نبي. حتى اقتضت حكمته سبحانه تعالى، فاختاره خاتما لأنبيائه ومبلغا لكلماته . ولو لم يكن كفار عشيرته عليه الصلاة والسلام يعرفون قدرته على الكتابة والقراءة لما طلبوا منه تغيير ما ينزل عليه من الله سبحانه وتعالى . بل وإبداع كلام غير كلام الله المنزل عليه .وقد كان ذلك العمل سائرا بين خطباء وشعراء القبائل العربية آنذاك. ولا أحد ينكر أن شعراء القبائل كانوا يكتبون قصائدهم ، وعلية القوم يبرمون عقودهم السياسية والتجارية في صحف ويعلقون القيم والهام منها على جدران الكعبة . فعندما رأت قريش بأن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في تصاعد .و وأن عدد المسلمين في تزايد ، أجمعت قريش أمرها على أن يتعاقدوا على بني عبد المطلب و بني هاشم و بني عبد مناف أن لا يبايعوهم و لا يكلموهم و لا يناكحوهم و يجالسوهم إلى أن يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم , فكتبت قريش ذلك بصحيفة و علقتها على جدار الكعبة . فانحاز بنو عبد المطلب و بنو هاشم بين مؤمن و كافر ، إلا أبا لهب ، فقد ظاهر قريشاً على رسول الله و بني عبد المطلب و بني هاشم. ثم حبس الرسول عليه الصلاة و السلام و من معه في الشعب ، و الذي يدعى بشعب أبي طالب في السنة السابعة من البعثة . و قد علقت في جوف الكعبة صحيفة . و ظل مضيقاً عليهم و محصورين . و قد قطع عنهم الطعام لمدة قاربت ثلاث سنين.
كما أنه لو كان النبي أميا ، لما طلبه الكافرون شخصيا بالإتيان بكلام بلاغي ، أو تبديل كلام الله المنزل عليه من عنده . وقد أشار القرآن الكريم إلى قدرته صلى الله عليه وسلم على تنفيذ ما يأمرون به كفار قريش لكنه عليه الصلاة والسلام امتنع عن القيام بتلك المحاولة مخافة من عقاب الله تعالى ، وإقرارا منه بأن ما ينزل عليه صلى الله عليه وسلم هو وحي من عند الله . ولو كان غير ذلك وكانت له الرغبة في الإبداع اللغوي على عادة العرب النابغين آنذاك لمارسه صلى الله عليه وسلم في عنفوان شبابه ، قبل نزول الوحي الإلهي عليه الذي بدأ عند بلوغه سن الأربعين .
لقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم وعشيرته العربية بدون كتاب سماوي ، حتى قضى سبحانه وتعالى بعث نبيه الكريم محمد عليه الصلاة والسلام لينتقل المجتمع العربي من مرحلة الأمية إلى مرحلة بداية نزول الكتاب الإلهي . هذه المرحلة التي كنى عنها القرآن الكريم بكثير من التقابلات : الظلمات والنور . الضلال والهدى . الجاهلية والإسلام . الأمية والقرآن ومن هذه الثنائية الأخيرة سيستمد كلام الله المنزل على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام إسم الفرقان.فارق بين عهدين متناقضين .وهذا ما ستقرره الآية الكريمة من سورة الجمعة في قوله تعالى :
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .الآية (2).
فأمية الأميين هنا ليست مرتبطة بعدم معرفة القراءة والكتابة كما هو شائع بل هي متعلقة بقوم لا كتاب لهم يسترشدون بهديه ويتعلمون من حكمه ويقتدون بمثله .