عبد الله المعاوي
لحظة نزول القرآن الكريم هو الزمن الفاصل في حياة الإنسان العربي بين الوتنية و الدين
بين الأمية والانتماء للكتاب المنزل.
بقدر ما يعتبر نزول القرآن الكريم على الأمة الإسلامية فاصل بين زمن الأمية وزمن المعرفة ، بقدر ما يحذر من آفة هجره وعدم العمل بما جاء فيه . ففي نظر الإسلام ، لا يكفي نزول الكتاب على نبي أمة ليحكم عليها بالخروج من ظلام الجهل. بل ربط نزوله بالعمل بتعاليمه ،وإتباع أوامره ، واجتناب ما ينهي عن ممارسته . وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الآفة عندما تحدث عن طائفة من اليهود والنصارى الذين حرفوا كلامه سبحانه وتعالى المنزل على نبيهما . واعتبر نزول الكتاب ليس كافيا للتفاخر بالخروج من ظلمات الجهل والأمية . فكانت صورة الحمار الحامل لكتب الحكمة والمعرفة أبلغ وصف لمن نزل عليه الكتاب ولم يعمل بما جاء فيه ، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الجمعة:
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا، بيس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ،والله لا يهدي القوم الظالمين الآية (5).
فالمسألة إذا ليست متعلقة بالجهل أو معرفة القراءة والكتابة . ولكن الأمر الأساسي متعلق بكتاب نزل من عند الله ولم يعمل به. وبالتالي لم ينتفع بحكمه وتعاليمه الربانية.فذلك هو تجلى مظاهر الأمية. وبالتالي ذلك هو المؤدي الحقيقي لمعنى لفظ الجاهلية. وهنا اتفق مع أستاذنا الدكتور محمد نجيب البهبيتي رحمة الله عليه الذي كان يرفض إطلاق لفظة الجاهلية على الأدب المنسوب خطئا إلى عرب العصر الجاهلي. وأطلق عليه العصر الفني في أطروحته الأدبية التي درسناها في كتاب : تاريخ الشعر العربي حتى القرن الثالث الهجري . لكن اجتهاده رحمه الله وقف عند رفض وصف الأدب فقط بالجاهلية ، ولم يتجاوزه لإظهار المعنى الحقيقي لهذا المصطلح وعلاقته بالمجتمع العربي ككل آنذاك .
لقد أتى مصطلح الأمية في النص القرآني بمعناه الصحيح . أي بمعنى عصر انعدام نزول الكتاب على الأمة التي سيخصها الله بالقرآن الكريم بعد تلك العصور المظلمة التي اصطلح عليه بالعصر الجاهلي.
وهذا ما يؤكده مرة أخرى قوله تعالى في سورة الزخرف :
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . الآية (49).
فالنبي عليه الصلاة و السلام بهذا سمي أميا لأنه لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى هداه الله بالقرآن الذي سيصبح هداية للنبي وقومه، وللناس كافة .وليس المقصود به وصف النبي عليه الصلاة والسلام بعدم معرفة القراءة والكتابة كما هو مشاع في القاموس اللغوي المتداول حاليا . بل كان عليه الصلاة والسلام يعيش وسط أمة يشيع فيها عبادة الأصنام شأنه شأن جده النبي الكريم إبراهيم عليه السلام الذي بدأ طريق معرفة الله بسلوكه واستخدام عقله إلى أن هداهما الله إلى ( صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ، ألا إلى الله تصير الأمور. الآية (50).