المبارك الگنوني
تحفظ الذاكرة الشعبية المراكشية لمقهى مطيش مكانة مميزة جدا، ليس فقط باعتبار موقعه الاستراتيجي المميز بسوق الجديد بساحة جامع الفنا متيحا نظرة بانورامية على هذه الأخيرة، ولكن أيضا بالتاريخ العريق والشخوص الذين أثثوا فضاء هذا المقهى والذين يبقى من أشهرهم الكاتب الإسباني العالمي خوان_غويتيسولو الذي كان من رواد هذا المقهى الأوفياء.مقهى مطيش أثارت قريحة غويتيسولو الإبداعية وهو الذي كان يجالس فيها كل فئات المجتمع بحيث يضحك على النكات ويتكلم بالدارجة المغربية التي تعلمها عطفا على مقامه الطويل بالمملكة منذ نهاية ستينيات القرن الماضي بل إنه كان يصف نفسه “بالأديب والكاتب ولد جامع الفنا”، ليكتب عن نادلة في مقهى مطيش كانت تلقب ب “السواعد” نظرا لشخصيتها القوية وبنيانها المورفولوجي الذي يشبه الرجال…
لما كتب خوان غويتيسولو روايته الشهيرة «مقبرة» التي تستلهم إلى حد بعيد لغات الشارع والحياة اليومية والخيال الشعبي لرواة الساحة. كتب في فصل منها «قراءة لفضاء جامع الفناء» يقول: «التنافس الشرس داخل الحلقة: تعايش نداءات كثيرة، متزامنة: المغادرة الحرة لاستعراض في اتجاه جدة الحلقة المجاورة وإثارتها: ضرورة رفع الصوت والمحاججة، وتجويد الكلام، والعثور على النبرة الملائمة ورسم الحركة القمينة باجتذاب انتباه العابر أو إطلاق ضحك لا يقاوم: شقلبات المهرجين والمشعبذين المهرة، وطبول ورقصات غناوة، زعيق قردة، إعلانات أطباء وأعشابيين، وهجوم مباغت للطبل في اللحظة التي تمرر فيها آنية السبيل: استيقاف جمهرة دائمة الاستعداد، إلهاؤها، إغواؤها، اجتذابها رويدا رويدا نحو فضاء محدد، إشغالها عن النداهات المنافسة، وجعلها تطلق، أخيرا، الدرهم اللامع الذي يكافئ البراعة والعناد والصرامة والموهبة».
ليس في قلب الكاتب العالمي خوان غويتيسولوحسرة على شيء فقده في مراكش أكثر من حسرته على قهوة “مطيش”.أتذكرأنه دخل في حالة حزن عميقة بداره في درب سيدي بولفضايل بحومة القنارية ، وذلك عندما عاد من رحلة دامت لأشهر خارج أرض الوطن ليفاجأ بالمقهى وقد تحولت إلى مخدع للهاتف ومشروع استثماري آخر…ولازلت أتذكر الجملة التي كان يردد كلما احتسى جرعته الأولى : ” قهوة ماطيش،أحسن قهوة في العالم”.