آخر الأخبار

مكة التاريخ ، و جنيف الحداثة ؟

د ع الصمد بلكبير 

من قبيل الصدفة، وجدت شخصي الآن في جنيف (سويسرا) فتذكرت مكة؟ لما بينهما، في ذهني من تشابه، و مفارقات، تستحق التوقف؟

في مكة، كان هنالك بيت مال التجار ( الكعبة) يدخرونه و يحمونه و يستثمرونه، ربويا، و يحفظونه بأقل تكلفة، فقط بقواعد مرعية، و معتقدات مقدسة، فالكعبة (بيت الله) و ليست مصرفا ؟
ومحيطها أرض حرام، مقدسة (=طاهرة) لا يهرق فيها دم، و لو للحمام ( أضحى لذلك رمزا للسلام) عدا ما يقدم للآلهة قربانا لإطعام الفقراء، حتى لا يأخذوا حقهم بأيديهم، و كذا للاجئين إليها من جميع الأمصار المحيطة ( مصر/العراق و الشام/ فارس/ بيزنطة و الهند) من المفكرين و المتدينين، بغير المعتقدات الوثنية السائدة في دولهم؟ و أيضا فإن مكة تعتبر المكان الوحيد المحايد في صراعات القبائل، التي تكاد تكون يومية ؟

كان تجار العرب أولئك، يحولون ذهبهم، إلى تماثيل مقدسة ( أصنام) مزينة بجواهرهم، و تحت حراسة مجانية، عبارة عن أوهام ادلوجية تحكم سلوك المعدمين؟

جغرافية سويسرة، الطبيعية و القبلية أهلتها، في عصر الإقطاع، أن تكون محايدة، و أن تكون مواردها، منتوج توظيف شبابها مرتزقة إرهابيين، في خدمة صراعات الأمراء و الملوك المحيطين بها من جميع جهاتها( جماعة وظيفية) مثل الشيشان اليوم…

تمكن تجار حرب الرأسمالية الغربية 2 ( مخابرات أمريكية خاصة ) من نهب أطنان الذهب التي استولى عليها النازي، من جميع البنوك المركزية، للدول الأوروبية التي احتلها، و ستعتبر لاحقا غنائم حرب، لا يسأل عنها؟ و سيكون من الغنائم تلك ( مخابرات النازي ) نفسها، فهي من كانت تستحوذ عليها و هي، من تم، ضمنت عدم محاكمتها من قبل أمريكا، و هي من ستؤسس بأطرها و مخططاتها المخابرات المركزية الأمريكية، و هي من اختار سلفا سويسرة، مقرا لبنوكها؟ و هو ما يفسر ابتداءا و مسارا ( الإستقلال) المالي، و من تم السياسي ل(السيئة) عن الإدارات الأمريكية ( رئاسة و برلمانا و حكومة و محكمة…) و ما سمح لها بسرعة في أن تنصب إدارتها بكفاءة، حكومة للعالم (الحر)= الرأسمالي، بشقيه : الإمبريالي، و مستعمراته؟

سويسرا كيان ( و ليس دولة) وظيفي، محايد، و مقدس (محرم) على الفقراء و على الفضلاء، مرحب بجميع أشرار العالم من تجار المحرمات، و القمارين و اللصوص و المهربين و القوادين، و السماسرة و المخابرات، و ناهبي الأموال العمومية… و ما قد يسمح لكم به خيالكم من الأنذال، مع ضمان الغلاء الفاحش للعقار و السلع، حتى لا يختلط بهم غيرهم من أمثالكم، و سرية الحسابات البنكية، حتى على الجن، ما عدا (سدنة المعبد)السريون، هم أنفسهم، و الذين يستولون على تلك الحسابات، ما إن يموت أو يقتل أو يعتقل… أصحابها المجرمون، في أغلبيتهم الساحقة، و لذلك يتسترون عليها أصلا، عدا عن سدنة البنك، و حماتهم من المخابرات الغربية…

سويسرة، هي حمام (=مرحاض) لغسل الأموال الحرام عالميا، و لذلك يوفر لها أقصى درجات الإستقرار و الحياد و السلام و الديمقراطية الشعبية (=المباشرة) و الحرية و الكرامة لساكنتها (ينوب العاطل أكثر من 5000 دولار شهريا) ثلث هذا الرقم ينوب كل مستوطن في إسرائيل التي تشبهها ككيان، موظف في العدوان الحربي و التجسس، فضلا عن الوظائف الأخرى المخصصة لسويسرة؟!
و تحاول الإمارات، الجمع بين الوظيفيتن أو الرذيلتين كليهما؟!

حاول المرحوم الشهيد (القذافي) الإستفادة من نموذج سويسرة، في تأسيس نمط للديموقراطية، يستجيب لشروط مجتمع قبلي ( لا مدني) أي ما يصطلح عليه ب( الديموقراطية المباشرة) أي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه مباشرة، دون وسيط انتخابي أو تمثيلي (= برلمان) و لكن الغرب الرأسمالي، لا يقبل هذا الإمتياز للفضلاء، بل فقط للأشرار و العملاء و الجبناء… لأنه يسمح لهم أكثر بالتحكم، عن طريق شراء النخب جميعا ( التعويض المنوه به للعاطلين الإنتهازيين و الكسالى) كما نبه إلى ذلك عالم الإقتصاد السويسري الكبير ( جان زيكلر) أطال الله في عمره، في مقدمة آخر كتاب له،( سأنشرها في الملتقى) حيث يشرح، و هو الحائز على نوبل، مفارقة أن السويسريين، صوتوا مباشرة، في أكثر من 115 استفتاء، ضدا على مصلحتهم؟!

و بعد
ففي معركته لتعقيل، و من تم إنقاذ الرأسمالية الأمريكية، و في العالم، من أخطار انفجار ( فقاعة) التضخم و الديون و الركود و البطالة…السائدة، سبق لترومب، في ولايته السابقة، أن طرح مسألة تعميم إلزامي دولي لمبدأ شفافية المعاملات البنكيةوالمصرفية، و تم له، جزئيا، ذلك عدا في سويسرا ( و الكيان أيضا نسبيا) حيث امتنعت، بدعاوى حقوقية دولية، لم يتمكنوا من تجاوزها بعد؟!
فهل سيتمكن ترومب و فريقه اليوم، من فرض ما عجز عنه سابقا، سيتمكن من ذلك، بعد أن ينجح في معاركه الراهنة مع ( السيئة) في غير ما جبهة
(أوكرانيا/كندا/مكسيك/ ألمانيا/كوريا ج…) و ذلك طبعا تمهيدا لمواجهته الكبرى ضد عدوهم الألد، الإشتراكية في الصين خاصة، و حلفائها، المسلمين…خاصة؟!

ستكون معركته الأهم، لإصلاح الرأسمالية، و تخليصها من التوحش و إنقاذها من الإفلاس و الإنهيار…هو إغلاق جنة الفساد و المفسدين (=سويسرا) بإلغاء قانوني و شامل لسرية معاملات أبناكها الفاسدة، بما هو أفحش من الربا؟! و ذلك سيكون عنوان تخلص العالم من شر السيئة و السيئين، ليواجه بقية شروره، الأقل ضررا بالمقارنة لها،

و أختم بمفارقة- مقارنة طريفة، انه لا يكاد يشبه ماء زمزم، العذب الزلال، سوى ماء سويسرة، فهنيئا مريئا لساكنتها و زوارها به، و لقد كنت منهم في صدفة أسبوع عابر، في زمن عابر

جنيف 27 رمضان 2025 م،