من غرائب هذا الزمان ببلادنا اقصاء الكتاب بل والقضاء عليه، لعوامل كثيرة منها الموضوعي والذاتي، وقد عرفت مدينة مراكش انتعاش المعرفة وانتشار الكتب والكتبيين، حتى سميت منطقة بهذا الاسم ” الكتبية ” لما كان يروج فيها من الكتب.
وبلغ عدد الدكاكين مايربو عن المائة دكان لبيع الكتب وتصديرها خارج المغرب بل نجد في عهد المرابطين والموحدين ان احمالا من الكتب تنقل الى الاندلس حيث شكلت مراكش في هذا العهد الزاد العلمي والثقافي للاندلس كما اشار الى ذلك احد قضاة مراكش وكبار علماءىها وهو ابو العباس احمد صاحب كتاب ” التيسير في علم التسفير ”
كما كانت المكتبات تحيط بمراكز العلم بان يوسف والمواسين وابن صالح …
وكان رواج الكتب باحد مداخل مسجد ابن يوسف بعد عصر ايام الجمع من كل اسبوع، حيث يحضر علماء ابن يوسف والقضاة واهل العلم والطلبة والكتبيون وكل المهتمين بعالم الكتب ب ” الدلالة ” وكانت ملتقى للتعرف على ماجد في عالم المعرفة والاغتراف من تراث الاجدادكما كان يزورها العديد من الاجانب عرب وعجم . ونذكر من بين الاوربيين الذين اقتنوا الكتب من الدلالة :”جاك بيرك”الذي كتب عن سكساوة باقليم شيشاوة و:”دوفيردان” الذي كتب عن مراكش كتاب”مراكش من التاسيس الى الحماية”.
والى عهد قريب كان المكتبات باغلب احياء مراكش. وتقام فيها مجالس علمية على شكل اندية ثقافية، واذكر منها على سبل المثال لا الحصر مكتبة السي الكامل القادري التي ورثها عن والده مولاي عبد القادر القادري.
ويحكى ان هذه المكتبة كانت تستورد الكتب من الشرق وبخاصة مصر ولبنان.. وكان مقرها بحي اسول قرب سقاية ” شرب اوشوف “بمكان سكناه، إلى ان تحولت الى سوق السمارين وبعده الى حي القنارية. تحولت الى مقهى ونجد كذلك بحي المواسين العديد من المكتبات مثل مكتبة التزروالتي قبالة الزاوية التجانية وكانت مجمعا للفقهاء خاصة اصدقاء القاضي التعارجي وعلماء سوس ومنهم المختار السوسي أصبحت بزارا ، ومكتبة الشعب التي كانت اول من تباع فيها جريدة العلم لصاحبها السي بلحاج ايمان وشريكه السي المهدي العاصمي، وكانت ملتقى للوطنيين والمراسلين مثل بلعادل والشهيدي ” الملقب بابن القصور “.
ومكتبةامداح ابن الشيخ السي عبد الوهاب احد علماء مراكش ( وهي الوحيدة التي بقيت صامدة والى اليوم ) بفضل قيمها السي عبد الغني امداح الرجل الورع اطال الله في عمره.
ومن المكتبات الاخرى واغلبها يقع قرب مسجد ابن يوسف مثل مكتبة الفقيه الضيغم مغقلة منذ وفاة صاحبها كان رجل تعليم ومن الوطنيين المخلصين كانت بحي امصفح. ومكتبة الهلال بحي سيدي عبد العزيز تحولت الى دكان للنجارة وبمحاذاتها مكتبة ابن الفقيه العدل قرب مدخل ضريح سيدي عبد العزيز التباع والتي تحولت اليوم الى مكان لبيع الماكولات.
ومكتبة مولاي هاشم بسوق الشعرية قرب ساحة ابن يوسف، واغلب كتبها مرتبطة بالمناهج الدراسية لابن يوسف من حيث كتب المتون والسير والحضارة العربية وكتب التفاسير والفقهيات والفلك والعروض والفراءىض، كما كانت محجا للنساء للتداوي بالتعاويذ وكتابة الجداول على الاواني ( ومن تم كنا نسمع دراك زلافتك ) حتى لا تتعرض الكتابة المجدولة لاشعة الشمس، وهي الأخرى تحولت إلى متجر بعد وفاة صاحبها ومكتبة السي احمد بحي زاوية الحضر وبالقرب من مدرسة ابن يوسف وفي مقابل نافذة لبيت من بيوت الطلبة اليوسفيين وقد انشد ساعر الحمراء قصيدة عبارة عن مناجاة الطالب الذي يقطن بهذا الماوى اليوسفي وقد عرفت هذه المكتبة لقاءات لاغلب علماء مراكش وغيرهم وكان صاحبها السي احمد ملما بالطبعات وبطبيعة المخطوطات كما كان مداوما على حضور الدلالة لقربها منه بل وكان يستشار في عملبة اقتناء المخطوطات والكتب. وقد تحولت بدورها الى دكان للنجارة بعد وفاة صاحبها.واخيرا مكتبة الوعي التي ارتبطت بالفكر التقدمي لما تحتوية من كتب كثر الطلب عليها مثل كتب دار الطليعة ودار التقدم لم يكتب لها الصمود وانتقل صاحبها الى باب دكالة بعد ان تحولت ياحة الكتب بجامع الفناء الى مطاعم في الفضاء الطلق. ومع اختفاء المكتبات انقرضت حرفة التسفير التي كانت مرتبطة بها . كما لاننسى مكتبة المرحوم عبد الجليل ابن الفقيه بنعباد بباب دكالة والتى كان عبارة عن مجلس ثقافي ونادي للشعراء وقد تم اغلاقها بعد وفاته رحمه الله.
ويعود انقراض المكتبات الى تهميش الثقافة وتبخيس المعرفة والعزوف عن القراءة وخصوصا بعد ارتباط الجيل الجديد بوسائل التواصل الحديثة والانكباب عليها الى درجة الادمان والنفور من عالم الكتب.
ومما يلفت الانتباه ان اوربا مازالت مرتبطة بالكتاب، فنجد فضاءات متسعة لبيع الكتب مثل ياحة سان ميشيل بباريس كما نجد الشباب والشيوخ منكبين على القراءة اليومية في الميترو والحدائق والشواطىء رغم تقدم التيكنولوجيا الثقافية عندهم اكثر منا. فالمكتبات مكتظة بالقراء. فماذا يعني هذا. وكيف يمكننا النفخ في روح المكتبات واعادة الاعتبار للكتاب وللقراءة بصفة عامة .