الملاحظة الرابعة: ومن هذا التجريد العازل أيضا، دور ومكانة البنيات القبلية والطائفية والعرقية والمذهبيات الدينية، وكذا دور التشكل والانتماء القوميين بوجه عام، وما دام في المفهوم الماركسي، أن لا وجود في الواقع التاريخي الحي لنمط إنتاجي نقي قائم بمفرده، وإنما هناك تكوينات مجتمعية متفردة التاريخية لتظافر أساليب إنتاجها المختلفة. إلا أنه وللأسف سأترك هذا الموضوع المعقد هنا، ومع أنه يكتسي راهنية شديدة الخطورة في مجالنا الحضاري وبجميع مفرداته السابقة. وسأكتفي بطرح السؤال الآخر الذي يرتبط به. ما دور الصراع الطبقي في هذا التجريد المادياني للتاريخ؟
إن التناقض الوارد في الشهادة السابقة، بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وهو التناقض الأساس في الماديانية التاريخية، يظل تناقضا تجريديا صوريا منطقيا، ما لم يتدخل البشر في حل نزاعاته المفترضة. وهذا التدخل يأخذ أشكالا من الصراعات الاجتماعية، ومنها الصراع الطبقي. وهذه الصراعات هي وحدها التي تحرك وتعبر عن تناقضات الوحدة الجدلية بين البنية التحتية والبنية الفوقية (السياسية والقانونية والأيديولوجية عامة). إن تحليل الصراع الطبقي إذاً هو مستوى أعلى من تحليل تناقضات البنية التحتية وتأثيرها الراهن والبعدي على البنية الفوقية، لكن تناقضات البنية التحتية تظل هي الحاكمة في نهاية المطاف، أي هي التي تَحُدُّ الصراعات الاجتماعية والطبقية، كيفما كانت تصورات مكونات هذه الأخيرة عن نفسها.
لابد لي هنا من أن أعبر عن الكثير من التواضع الفكري، كما هو الشأن في جل القضايا الأخرى. لأني أعلم جيدا أن هذه القضية، أي مكانة وأدوار الصراع الطبقي في الشبكة التحليلية للتصور المادياني، هي من أعقد القضايا وأشدها عسرا على الاستيضاح والفهم. ولعلها القضية الرئيسة التي قسمت المذهب الماركسي إلى تأويلات وتيارات وأحزاب مختلفة، بل وفي أحيان كثيرة، متناقضة بدءا من مفهوم الطبقة نفسه وصولا إلى تحليلاته العينية في واقع مجتمعي محدد.
محمد الحبيب طالب