تضطلع ملاعب القرب المنجزة في إطار سياسة القرب الاجتماعي التي تنهجها الدولة بدور هام في تعزيز مواهب الشباب وصقل طاقاتهم وتشجيع الممارسة الرياضية داخل الأحياء، على اعتبار أن الرياضة حق من حقوق الإنسان الأساسية ومدرسة لترسيخ قيم العيش المشترك والتضامن وتحقيق الاندماج الإيجابي داخل المجتمع .
وفي هذا الإطار، تم إطلاق برنامج وطني لبناء وتجهيز ملاعب القرب في المجالين الحضري والقروي بمختلف جهات المملكة، ضمن شراكات متعددة بين وزارة الشباب والرياضة ووزارة الداخلية، ووزارة الاقتصاد والمالية، والجماعات الترابية.
وفي مدينة الرباط، بلغ عدد ملاعب القرب المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والبرنامج المندمج “الرباط مدينة الأنوار عاصمة المغرب الثقافية”، 94 ملعبا، وهو عدد مرشح للارتفاع حسب المسؤولين المحليين، 54 منها خاصة بكرة القدم ، و 32 لكرة السلة، و8 للتزلج، وواحد خاص برياضة التسلق بمنتزه الحسن الثاني ، مجهز بحائط بعلو 12 متر، وهو أعلى حائط رياضي للتسلق في المغرب على وشك استكمال تهيئ أرضيته، وقد أوكل تسييره لشركة الرباط للتنشيط والتنمية التي عملت على التنسيق مع جمعية متخصصة في هذا الفن الرياضي (جمعية الجبل الأخضر) لتأطير الراغبين في ممارسة هذا الصنف من النشاط الرياضي.
ومن خلال جولة في أحياء العاصمة، يلاحظ انتشار نقط لهذه الملاعب، خاصة في الأحياء التي تعاني من الهشاشة، لاسيما في مقاطعة اليوسفية ، وحي التقدم ، وحي الفرح، ودوار الدوم ، والملاح (مدارس محمد الخامس والتوحيد) ، وعلى طول الساحل وفي حي يعقوب المنصور إلى حدود حي الكورة ، هذا فضلا عن ملاعب منتزه ابن سينا.
وفي هذا الصدد، اعتبر السيد بوجمعة الدرعي، المدير العام لشركة الرباط للتنشيط والتنمية المكلفة بالإشراف على تسيير فضاءات القرب الرياضية بالرباط ، أن التغطية الجغرافية لملاعب القرب بالعاصمة “شبه كافية” خصوصا وأن “العدد المتوفر حاليا (94) ليس العدد النهائي ، لأن هناك مشاريع مرتقبة لاستكمال عتبة حوالي 120 ملعبا بالعاصمة حسب ما هو مبرمج في الاتفاقيات السابقة، بعضها قيد التهيئة والإنجاز”.
وأكد في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، على أهمية الدور التربوي “الكبير جدا” الذي تضطلع به هذه الملاعب في تأطير الشباب وتثمين طاقاتهم وترسيخ قيم المواطنة لديهم والترفيه عنهم ، وتنمية قدراتهم بعيدا عن مسالك الانحراف الجارفة، مشيرا إلى أن هؤلاء الشباب استفادوا بالمجان من استغلال هذه الملاعب بعيد انطلاقها، حتى تشكلت فرق واندمج العديد منهم في جمعيات مختلفة .
وأضاف السيد بوجمعة الدرعي أن هاته الملاعب التي تقدم خدماتها تحت إشراف مدربين متخصصين، مفتوحة للعموم سواء في إطار جمعيات أو مؤسسات إدارية أو أفراد ، وذلك مقابل أثمنة رمزية يتم تحديدها داخل المجلس الإداري للشركة وفق ما يلي: ملاعب صغيرة: 60 درهما للفريق، وملاعب متوسطة: 80 درهما للفريق، وملاعب كبيرة : 100 درهم للفريق .
ولفت إلى أن هذه الأثمنة “بعيدة جدا عن تغطية تكاليف هذه الملاعب” من صيانة وحراسة وأجور أطر الشركة القائمة على شؤونها ، منوها بمساهمة مجلس العمالة بمبلغ مليون درهم إلى جانب مساهمات من ولاية الرباط في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في كثير من المناسبات، لكنه شدد على ضرورة تخصيص دعم قار من أجل مساعدة الشركة على موازنة رأسمالها بما يمكن من تأمين استقرار واستمرار خدمات هذه الفضاءات الرياضية.
ومن أجل تسهيل ولوج الساكنة لهذه الملاعب، تم اعتماد اللامركزية في التواصل مع إدارة الشركة عبر موظفيها في عين المكان. ولا يشترط على الراغبين في الاستفادة من هذه الفضاءات سوى تحديد الملعب والحصة الزمنية المطلوبة، ولائحة اللاعبين المستفيدين قصد حمايتهم في حالة وقوع حادث يستدعي التأمين الصحي.
وبخصوص مجانية الاستفادة من هذه الملاعب بالنسبة للفئات الهشة وجمعيات المجتمع المدني ، يجري اليوم التفكير ، حسب السيد الدرعي ، في كل من الولاية والعمالة “في جعل هذه الملاعب مجانية مائة بالمائة من خلال البحث عن موارد مالية” .
وحول شبهة حضور أهداف انتخابية في تنسيق الشركة مع جمعيات مدنية معينة، نفى السيد الدرعي نفيا باتا وجود هذا الهاجس ضمن تدبير الشركة على اعتبار أنها شركة محايدة خرجت من رحم مجلس العمالة وتحت إشراف مجلس إداري مكون من منتخبين من أحزاب سياسية مختلفة، مؤكدا أن “الشركة تتعامل مع مختلف الجمعيات سواء منها المنتمية أو غير المنتمية سياسيا على قدم المساواة وبدون تمييز أو انحياز”، مشيدا في الوقت نفسه بدورها الرائد في تأطير الشباب وتعزيز اندماجهم في المجتمع.
ومن جهة أخرى، ولتعزيز الرياضة المدرسية باعتبارها مشتلا ورافدا لتطوير الرياضة الوطنية ، أبرز أن الشركة عملت بتعاون مع ولاية جهة الرباط وسلا ، والمندوبية الجهوية للشباب والرياضة ومجلس عمالة الرباط على إحداث ملاعب رياضية مدرسية مجهزة بالمجان، تابعة للشركة، تعنى بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، فيما تتولى وزارة الشبيبة والرياضة مهمة التأطير أيام الأربعاء والسبت والأحد.
ولفت السيد الدرعي إلى أن هذه المبادرة أعطت نتائج طيبة في السنة الأولى من انطلاقها، ” لكنها الآن تعاني نوعا من التذبذب بسبب الخصاص في التأطير “، مستدركا أنه بالرغم من ذلك لازالت ملاعب هذه المدارس، التي تشتغل مع بداية كل موسم دراسي، تؤطر خارج التوقيت المدرسي من قبل أطر تابعة للشركة بالمجان مع أداء مبلغ 100 درهم فقط سنويا للتأمين.
ولا شك أن السباحة تعد من الأنشطة الرياضية التي تستهوي العديد من الناس إناثا وذكورا، ومن مختلف الأعمار خاصة الأطفال والشباب ، وفي هذا الإطار يشكل المسبح الكبير الذي افتتح في شهر يوليوز الماضي بجماعة يعقوب المنصور بالرباط ، وسط ترحيب كبير من الساكنة، معلمة رياضية بارزة على الصعيد الإفريقي ، حيث يمتد على مساحة شاسعة ، بسعة تصل إلى 17 ألف متر مربع.
كما يشكل المسبح الكبير متنفسا للساكنة خاصة منهم القاطنين في الأحياء التي تعاني من الهشاشة، حيث يمكنهم الاستفادة من خدماته بسعر يبلغ 10 دراهم ، أما الأطفال ما دون 5 سنوات فيستفيدون بالمجان.
وأفاد السيد الدرعي، بهذا الخصوص، بأن المجلس الإداري لشركة الرباط للتنشيط والتنمية صادق بالإجماع على اتفاقية تدبير واستغلال المسبح الكبير للرباط الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 5 آلاف مستفيد ويضم 60 عون حراسة و 140 مدرب سباحة و 50 عاملة نظافة، بين شركة الرباط للتنشيط والتنمية وجمعية (رباط الأنوار الرباط) التابعة للشبيبة والرياضة التي ستتولى التسيير التقني.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها شركة الرباط للتنشيط والتنمية والوزارة الوصية والجماعات الترابية لتعزيز رياضة الأحياء وتسهيل وتبسيط إجراءات التأمين والانخراط ، وتحديد سعر مناسب للولوج إلى ملاعب القرب، إلا أن العديد من الجمعيات التي تسعى لتنظيم أنشطة رياضية لفائدة الفئات المعوزة تبقى عاجزة عن الأداء مقابل استغلال هذه الفضاءات الرياضية. وفي هذا الإطار، يقول رئيس جمعية النجم الأخضر للملاكمة بحي الفرح، السيد القطني الحسين، وهو من أبرز الملاكمين في الفريق الوطني في السبعينات ، أنه أخذ على عاتقه بعد التقاعد الاستمرار في أداء رسالته الرياضية لنقل خبرته في الملاكمة إلى الأجيال الصاعدة مهما كلفه الأمر من جهد من خلال جمعيته الرابضة في قلب حي شعبي غني بالطاقات الفتية المتقدة والمتعطشة للتأطير الرياضي والتحفيز التربوي ، لكن تعوزها الإمكانات الضرورية للتنمية والتطوير.
وأضاف السيد القطني في حديث مماثل للوكالة، أنه يحذوه الأمل في تخريج أبطال من أبناء جمعيته الذين يشرف على تأطيرهم بحي الفرح بدوار الحاجة ( بين 30 و40 تلميذا) ، والمنتمين لشريحة هشة اجتماعيا واقتصاديا عاجزة عن الأداء مقابل استفادة أبنائها من التداريب المتكررة اللازمة في ملاعب القرب . والأكيد أن مثل هذه المشاريع وغيرها من الفضاءات الرياضية المنتشرة في قلب الأحياء الشعبية تشكل فرصا واعدة لصقل المواهب الصاعدة واستكشاف الطاقات الرياضية الكامنة في الشباب وتثمينها، وتعزيز الثقة في ذواتهم وبث الأمل في مستقبلهم بما يجعلهم قادرين على خدمة بلادهم ومجتمعهم، شريطة الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مختلف الفئات الاجتماعية عند تحديد أسعار استغلال هذه الفضاءات.