أحمد الشهبوني
في نهاية الثمانينات التحق بكلية العلوم بمراكش السيد “دجون” كأستاذ زائر لمدة سنتين و هو أمريكي. بالإضافة لاشتغاله كباحث ضمن أحد مختبرات كلية العلوم كان دجون يدرس اللغة الإنجليزية لقسم من أساتذة الكلية.
كان أحمد يحضر بانضباط إلى درس الإنكليزية الذي يؤطره دجون و مرت الأيام و تطورت العلاقة بين أحمد و دجون حيث كان أحمد يستدعيه إلى منزله في بعض الأحيان و كان يتبادلان الحديث حول أوضاع المغرب و الأوضاع الدولية من حين لآخر.
في ربيع (أبريل) سنة 1987 استقبل المرحوم الحسن الثاني رئيس الكامرون بول بيا و قد خص له استقبالا شعبيا كبيرا حيث خرجت و أخرجت ساكنة مراكش بما فيهم التلاميذ لاستقبال ضيف الملك و توقفت الحركة في المدينة و حصل أن دجون لم يتمكن في ذلك اليوم من الالتحاق بعمله في الكلية كغيره من الأساتذة و الطلبة، حين التقاه أحمد، عبر له عن استنكاره لما حصل و لم يستوعب أن تتوقف حركة السير و أنشطة المدينة الاقتصادية و الاجتماعية بسبب زيارة أحد الرؤساء للمغرب حاول أحمد أن يفسر له أن هذا الضيف مهم للمغرب فهو سيساند قضية المغرب الوطنية و قد يعتمد عليه المغرب لفك الحصار الإفريقي المساند للجزائر و صنيعتها البوليساريو.
بعد أسابيع من استقبال الملك لرئيس الكاميرون بمراكش، استقبل الملك ملكة بلجيكا و هي شخصية رمزية فقط في بلدها الذي يسيرها الوزير الأول. استقبل الملك ضيفته ببهرجة كبيرة و توقفت مرة أخرى المدينة و تم توقيف الدراسة في المدارس و الثانويات حيث سيقت التلاميذ إلى جنبات الطرقات التي سيمر منها الموكب الملكي ومرة أخرى دجون يجد نفسه محاصرا و يتعذر عليه الالتحاق بالكلية.
في أول فرصة التقياه أحمد، خاطبه قائلا ” بول بيا شخصية نافذة في إفريقيا وسيعتمد عليها لحل قضية الصحراء و هذه الملكة المواطنة العادية التي لا حيل لها و لا قوة، فبماذا تفسر كل هاته المصاريف و تعطيل شؤون البلد بأكمله ؟ في الحقيقة أحس أحمد بشيء من الإحراج و أجابه بأنه يناضل لإرساء حكم يحترم حقوق الناس و يحاسب من طرف الشعب على أعماله.
حوالي أسبوع بعد هذا الحدث استقبل أحمد بمنزله أحد قادة اليسار المغربي و خلال دردشتهما , أخبره أحمد بما جرى لدجون و تساؤلاته حول سر هذا الاحتفال الكبير بمجيء ملكة بلجيكا. كان جواب هذا القائد بكل تلقائية أن الأمر بسيط و سر هذا الاحتفال الضخم هو أن الملك الحسن الثاني يسعى من استقباله لبعض الملوك أن يبين للشعب المغربي أن العالم يزخر بالمملكات و هو يعي جيدا أن وعي عامة الناس بالمغرب لا يرقى إلى استيعاب طبيعة الملكية فى بعض البلدان الأوربية حيث بالنسبة للشعب كل الأنظمة الملكية سواسية وكل الملوك هم حكام حقيقيون.
أخبر أحمد دجون بما قاله له القائد اليساري حول سر زيارة الملكة و ضحك كثيرا و شكره على جوابه الذي أبطل سر تساؤلاته و حيرته.
أحمد الشهبوني