بكل تأكيد نلمس أن وضعية الاطفال خارج اهتمامات وبرامج الحكومة في زمن الحجر الصحي، وهو انعكاس لما كانت عليه حقوق الطفل قبل الجائحة، إلا أن الوضع تعمق واستفحل بشكل قد يؤدي الى الكثير من الاضرار ، بما فيها النكوص والتراجع على ما تراكم من مكتسبات جزية ، بفض عمل بعض المنظات المهتمة و ضغط الامم المتحدة وبعض وكالاتها والبرامج الدولية التي فرضت استدماج برامج موجهة للطفل في السياسات العمومبة للدول ، اننا نخشى نكوصا غير معلنا لحقوق الطفل وتقلصا في المشاريع الموجهة لخدمته و تنامي الظواهر الاجتماعية السلبية، وتسريع بروز المخاطر على الطفولة، فمعاناة الاطفال لا تثير اي نقاش او اهتمام او حتى التفاتة من طرف المسؤولين وحتى المجتمع ونخبه التي يبدو ان لها انشغالات اخرى وتنظر لقطف تضحيات المواطنين والمواطنات ،والتزامهم رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية بالاجراءات والتدابير التي فرضتها الجائحة.
ففي الدول التي تحترم نفسها ،فان اولى الإجراءات لتخفيف الحجر الصحي كانت في اتجاه تخفيفه على الاطفال عبر تمتيعهم بالتنزه والترفيه وارتياد الحدائق العمومية، والابداع في طرق التخفيف من ضغوطات الحجر الى درجة توجيه نداءات للاباء والامهات لحثهم على إعطاء مزيد من الرعاية لابناءهم ، وتقليص مدة تعاطيهم مع الدروس التعليمية عن بعد ، ووضع اليات للاستشارات في مختلف المجالات، والدفع في انتاج وتعميم برامج اعلامية موجهة للطفولة لاخراجها من الروتين اليومي وطقوس الجائحة .
المشكل عندنا ان الدولة فرضت على الاطفال ان يعيشوا يوم بيوم بل دقيقة بدقيقة تفاصيل واكراهات الجائحة.
غاب عن الحكومة بلورة برامج موجهة للاطفال عبر وسائل ووسائط الاتصال، كما انها كانت عاجزة عن صيانة حقهم في الترفيه واللعب ولو جزئيا ، الا انها ابدعت في في الرفع من معاناتهم النفسية الى درجة اصابات في صفوف بعضهم بالاكتئاب.
الحكومة ومؤسسات الدولة ،عمقت من معاناة الفئات الهشة داخل المجتمع ومنها الاطفال في وضعية صعبة ، او كما يحلوا ان ينعتهم ب” اطفال الشوارع”، وكما افضل ان اسميهم الاطفال ضحايا السياسة الاجتماعية، اطفال بدون مأوى وبدون أية رعاية اجتماعية.
قد انسى المراحل الصعبة لحالة الطوارئ والحجر الصحي ، وقد اتناسا مخلفاتها الجائحة على النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكني لن انسى صورة ، طفل يافع يحمل بين دراعيه زميله في المعاناة ويتبعهما طفل اخر يحمل امتعة رفيقه، والكل متوجه لمستشفى ابن طفل بمراكش لعرض الطفل على الطبيب، وتحديد حالة صحية وربما كان مصابا بفيروس فيروس كوفيد 19.
لن انسى هذه الصورة لما تحمله من معاني ورمزية الصدق والوفاء للصداقة وللمصير المشترك.
انها صورة ستبقى خالدة في ذهني وجوارحي وتعلمني الكثير ،لانها بكل بساطة تجسد قمة النبل الانساني، وتساءل ضمائرنا ما العمل اتجاه هذه الفئة من ابنائنا وبناتنا، فئة غالبا ينظر اليها بازدراء واحتقار، وانها مجموعة من المنحرفين ، وكأنها هي من اختارت هذا الوضع، ومن رسمت معالمه بوعي وتخطيط مسبق ، فبدل مساءلة السياسة العمومية وافلاسها نتوجه بجلد الضحية وانكار حقوقها، وتحميلها مسؤولية وضع فرض عليها قسرا مصحوبا بعنف متعدد الاوجه والاشكال.
ان فئة الاطفال تعد من اكثر المتضررين ومعاناة بعضهم مضاعفة ، فالاطفال المتخلى عنهم ،اي الذين يعيشون بالشارع تم ايواء بنسبة ضئيلة منهم في مراكز تفتقد فعلا للرعاية ، وفئة أوجزء منهم تم اعتقاله ، وبمادرة من رئاسة النيابة العامة تم تسليمهم لاسرهم وعلى الاقل لم تتم متابعته قضائيا باعتبارهم في نزاع مع القانون، والواقع انهم في نزاع مع الفقر والتهميش والاقصاء.
تدبير النيابة العامة لم تواكبه ولو إجراء واحد يمكن هؤلاء الاطفال من الاستقرار داخل اسرهم ، والعمل على اعادة ادماجهم في المجتمع. كما ان الغالبية العظمى من هذه الشريحة بقيت تعيش وضعية الشارع دون ان تلتفت لها الوزارة المكلفة بالاسرة والتضامن والرعاية الاجتماعية، ودون اي اهتمام من المجالس المنتخبة التي قام بعضها بعمل جد محدود ومحتشم .
هناك فئة اخرى تعاني دون اكثراث من طرف المسؤولين وقد تحولت معناتها الى مأسات ،انها فئة الاطفال في وضعية اعاقة ، واطفال التوحد،فقد حرموا من المواكبة الصحية والعلاج وتقويم السلوك ، والحق في التعليم ولو عن بعد الذي فطنت له الحكومة بشكل متأخر، ناهيك عن حرمانهم من الرعاية الاجتماعية وكل مستلزمات العيش الكريم، لقد عاشت اسر الاطفال والمعاقين واطفال التوحد، صعوبة في تلبية حاجياتهم المتعددة والحرمان بدورهم من الحق في الترفيه واللعب، فتقييد حركتهم، خلق ازمات نفسية انضافت إلى اعاقتهم ، وجعلت الآباء والامهات امام سيل جارف من الاسئلة المقلقة والمحرجة خاصة بالنسبة للحالات التي تحتاج للمرافة والمتابعة الطبية الدائمة.
ومن الظواهر التي تفاقمت في ظل الجائحة وما فرضته من إجراءات وطوارئ وحجر صحي، تنامي العنف الاسري سواء بشكل مباشر في حق الاطفال ، وبشكل ضمني من خلال العنف اتجاه النساء والذي غالب ما يتأثر به الطفل، ورغم محاولات الدولة معالجة شكاوي العنف الزوجي او الطرد من بيت الزوجية او الاحتجاز بها ، فان الإجراءات المتخدة أبانت عن قصور واضح ، وان التبليغ عبر المنصات المحدثة من طرف النيابة العامة لم تكن كافية ، لان اغلب النساء ليس لهن العلم بها او لا يتوفرن على امكانيات التشكي عن بعد، واما انهن لا يسمح لهن بذلك من طرف الزوج ، اضافة الى عدم اخذ كل الشكاوي بالجدية اللازمة، عبر فتح التحقيقات الضرورية وباقصى درجات الاستعجال. كما ان غياب المواكبة الطبية والنفسية والاجتماعية للنساء المعنفات اثر بشكل واضح على الاطفال، الى تشريدهم وامهاتهم او القبول مجبرين بالعنف واثاره المدمرة لنموهم الجسدي والفكري والعاطفي.
ان اطفالنا يؤدون ثمن فشل السياسات العمومية، ثمن اتساع دائرة الفقر والتهميش، ثمن الحرمان من مستوى معيشي لائق لأسرهم ولهم. اطفالنا بقوا خارج اهتمامات الحكومة ولم تلتفت لهم في عز الجائحة، كثيرون حرموا من التعليم عن بعد وبالتالي انقطعوا عن الدراسة، ولا اعتقد انهم كلهم سيعودون لفصول التعلم، لان منهم من بدأ في عمالة الاطفال خاصة من المهن الزراعية باجر او بدون اجر، كالجني، والرعي، ومنهم ومنهن من منهمك في جلب الماء الشروب، ومنهم من يتم تسخيره، ومنهم من ينتظر تحريك عجلةالاقتصاد وخاصة غير المهكل والاقتصاد الموسمي لينخرط في عمالة الاطفال لمساعدة اسرته التي فقد معيلها الشغل سواء بصفة مؤقتة والذي لا يتوفر على اية حماية اجتماعية ، او فقد عمله بصفة نهائيا. وقد يكون الاطفال المقصيين والمحرومين من الرعاية والحماية ا الاجتماعية هدفا للاستغلال البشع في الاعمال المشبوهة وغير المشروعة.
ان اطفالنا حتى في حالات الرفع التدريجي للحجر الصحي بشروط محددة لن يستفيدوا من اللعب والترفيه، لان ببساطة تفتقد مدننا للفضاءات المخصصة لذلك، لان مدننا وفق السياسة العمرانية ،هي عبارة عن اكوام من الاسمنت المسلح، فجشع الملاكين العقاريين واستخفاف الجهات المسؤولة عن التعمير بالفضاءات الخضراء ومركبات اللعب والترفيه العمومية، وحدها كافية لتبيان ان المصلحة الفضلى للطفل واحترام حقه في اللعب والترفيه لا يعترف بها في قاموس وبرامج المسؤولين،اما المجالس الجماعية الموكول لها هذه المهمة فتعتبرها ثانوية وغير ذي جدوى ولا تستحق البناء والعناية والصيانة لان كلفة ذاك بما فيها المساحات التي تتضمنا التصاميم سرعان ما يتم تحويلها للبناء.
لا اريد ان اعرف عدد الاطفال الذين مسهم الوباء، ولكن يهمني مصير الذين فقدوا ابائهم او امهاتهم، لانهما مهما المعيلان والساهران عليه حتى لوكانا يفتقدان لابسط مقومات ذلك بفضل جهود وانكار حكومة لمسؤوليتها في توفير الامن والامنان والرعاية الاجتماعية والخدمات الاساسية للاسرة وللطفل.
لم يعد مقبولا اقصاء غالبية الاطفال من الرعاية الاجتماعية ،خاصة ما يتعلق بالتعويضات العائلية التي تمنح للاجراء في القطاعين العام والخاص الذين يتمتعون بالحماية رغم ضءالتها.
على الحكومة تخصيص تعويضات عائلية حتى لأبناء الفئات العاملة في القطاع غير المهيكل، او الذين لا يتم التصريح بهم لذى صناديق الرعاية الاجتماعية، بل على الحكومة ان تخصص تعويضات عالية بالنسبة للفئات الهشة والفقيرة اعلى من باقي الفئات، وان تسهر على ضمان حق هؤلاء الاطفال في التعليم وتوفر لهم الدعم المطلوب ، وان تسهر على تمتيعهم بحقهم في الصحة بدءا من التلقيح الذي بالمناسبة تعطل عند بداية الجائحة، وان تحميهم من الاستغلال الجنسي الذي اصبح ظاهرة مخيغة ، والاستعمال الاستغلال في مواد محظورة والاتجار في البشر ، والاستغلال الاقتصادي عبر حظر عمالة الاطفال .وان تضع استراتيجية مبنية على اهداف واضحة ومحددات علمية ، واجرأتها وتخصيص كل الامكانيات المالية والبشرية لتنميتها، فلم يعد مقبولا التخلي عن الاطفال وتركهم لمصيرهم وهم الذين من المفروض بحكم سنهم ووضعهم ان يتمتعوا برعاية الدولةوالمجتمع والاسرة المفروض ان تتوفر لها سبل العيش الكريم ودخل يسمح لها بتوفير المسكن والمأكل والعلاج والتعليم . عبر سن سياسات عمومية وفق إستراتيجية واضحة تكفل الإعمال الصريح والفعلي لحقوق الأطفال والطفلات، و معالجة الاختلالات العميقة المنتجة والمولدة للتفاوت الاجتماعي ، عبر اقتصادية تروم تحقيق العيش الكريم وإحقاق العدالة الاجتماعية؛واختصارا نرى ان الدولة مطالبة بتقويم سياساتها الموجهةللطفولة عموما ، وتغييرها جذريا لما فيه المصلحةةالفضلى للطفل وجعلها نقطة محوية تخترق جميع المجالات وحاضرة بقوة في السياسات العمومية.
عمر اربيب / ناشط حقوقي