عبدالرزاق الحيحي
هناك من يدفع ويقول بأن الحكومة والبرلمان ليستا سوى واجهات لا تأثير لها في القرارات المتخذة بالمغرب; إن صح ذلك فهل هناك جهات تسعى لمزيد من الاحتقان وإشعال شرارة غضب شعبي سيأتي، لا قدّر الله، على الأخضر واليابس؟ هناك مئات من الرسائل الموجهة للمسؤولين خلال الاحتجاجات التي تتناسل يوما بعد يوم بكل مدن المملكة وتحذر من مغبة استبداد حكومة أخنوش أو غيره ومن تفاقم الأوضاع المعيشية ومن انقلاب المؤسسة التشريعية على الشعب ومن الردة والانتكاسة الحقوقية.
لم يمض على تنصيب الحكومة الحالية وتشكيل البرلمان بغرفتيه سوى أيام معدودات لتزداد معاناة المواطنين خلالها ما لم يعانوه خلال ولايات كل الحكومات التي تعاقبت على تدبير شأن المغرب، حكومة ترامت على اختصاصات كل السلط، حتى التشريعية منها، فأصبحت تُشرع وتُنفذ إجراءات تتعارض ودستور المملكة وكل المواثيق الدولية، بل وتعسفت على حقوق المواطنين بقراراتها العشوائية واللاقانونية وبالزيادات الصاروخية في أثمان السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن المغربي في معيشه اليومي، مبررة ذلك بأن تلك الزيادات تخضع لتقلبات الأسواق الدولية، متناسية القدرات الشرائية لمواطني تلك الدول. صمت الحكومة أذنيها عن المطالب الشعبية بالتراجع عما أقدمت عليه، وتمادت في غيها مستخدمة سياسة الإلهاء التي دأبت على ممارستها في حق الشعب المغلوب على أمره، ومستغلة صمت ممثلي الأمة المتواطئين معها، والذين انقلبوا على الشعب بمجرد ولوجهم قبة البرلمان الذي أصبح )دارا للورثة(، برلمان يعج بكثرة المتابعين قضائيا والمتهربين من دفع الضرائب، والأميين الذين لايقرأون ولا يكتبون، والأمية هذه كانت بشهادة وفلتة لسان رئيس جلسة التصويت على أعضاء البرلمان، حتى لا يتهمني أحد بالافتراء، وإلا فما دور برلماني أمي بداخل قبة البرلمان، إن لم يكن دور دمية ترفع يدها متى طلب منها ذلك لزيادة عدد المصوتين لتمرير قانون ما، لكن، لا نخشى على رئيس برلمان مثل الطالبي العلمي الذي يعطي أرقاما تفوق عدد النواب الحاضرين بالغرفة.
لم يسبق للمغاربة أن شاهدوا أعضاء بالبرلمان يصفقون لوزير أثناء رده على مطالبة الشعب له بالتراجع عن قراراه الخاطىء، بل لم يشاهد ذلك بأي دولة أكثر تخلفا من المغرب.
تم التحذير، وقبل استحقاقات الثامن من شتنبر، من حكومة يرأسها الوزير الملياردير أخنوش، وذلك من طرف فئات عريضة من الشعب ، لكن ربما هناك جهات مكنته من رئاسة الحكومة لنراه اليوم يفرض ساديته على المواطن المغربي المقهور، ثم ليفي بوعيده وتهديده الذي وجهه من قبل للمغاربة، بأنه )غادي يعاود التربية( ; ولهذه الغاية فقد أحاط به مجموعة من أعضاء الحكومة جاءوا من خارج صندوق التصويت، أحدهم نعت المغاربة بالأقلية، وآخر وهو بالمناسبة صديق للسفيرة الفرنسية بالمغرب، صريح معها ولا يُخفي عنها أي شيء كُلَّف به، بل ويستشيرها كما استشارها في مشروع ملف ضخم يهم الشعب المغربي ولا علاقة له بفرنسا، وهذا الفعل له تعريفه القانوني وتبعاته، لكن وللأسف، كأن شيئا لم يحدث.
يحدث كل هذا والحكومة تغمض عينيها و تصم أذنيها غير آبهة بما يجري بشوارع مدن المملكة وبساحاتها من مطالبات مشروعة، ودفعت برجال الأمن لتأدية فاتورة أخطائها باتهامهم من طرف المتظاهرين بالقيام بالتعسفات والشطط في استعمال السلطة.
لا نريد أن نسقط فيما سقطت فيه الجارة الشرقية المسعورة التي تكيل التهم لمواطنيها وتلفيق التهم الجاهزة المتمثلة في المؤامرات والتخابر وخدمة الأجندات والجهات الأجنبية ومصطلحات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، الغاية منها، كما يعلم الجميع، تكميم الأفواه وضرب الحريات العامة.
إستمرار الحكومة في مثل هذه الممارسات لن يزيد سوى من رفع حمى الاحتجاجات والاستنكارات ورفع سقف المطالب، وسيرفع من تكالب وانتقادات خصوم وحدتنا الترابية والدول المعادية التي تتربص بالمغرب، وكذا من حدة انتقادات وتقارير المؤسسات الحقوقية الدولية، خاصة وأن المغرب يعيش في هذه الأثناء ظروفا استثنائية تتطلب تجند الكل لرص الصفوف وتوحيدها لمواجهة كل المخاطر المحدقة به، إذ لا سبيل لاستمرار مسؤولين في التسبب، بقصد أو بدون قصد، في زعزعة استقرار البلاد من خلال الممارسات البائدة التي تمس بسمعة مغربنا الحبيب وتحط من كرامة مواطنيه.
ألا هل بلغت !