مصطفى المنوزي
يلاحظ بأن عددا كبيرا من الأطر والكفاءات ” تكافح ” خارج تنظيماتها الحزبية ، او بالموازاة ” تفوت ” خبراتها للدولة او الخصوم ، سواء ضمن ديناميات وطنية او خارج الوطن ، من هنا وجب التعامل مع هذه الظاهرة بنقد مزدوج ، وذلك بمحاولة التركيز على تدبير الأولويات في التعاقد المشترك ، حتى لا نهدر الطاقة والزمن ، ونتيه عن الأهداف العامة السامية ، أما الانجرار الى قضايا هوياتية صدامية مضرة بالتعددية والحق في الاختلاف ، دون توفير الشروط الذاتية ودون توفر الشروط الموضوعية ، قرينة قوية على وجود تيه يطوق الرؤية او عياء سياسي يخنق النفس الثوري المفترض في رئات غير فتية ، في ظل زمن رديء نشطت فيه ارادات مزيفة ومضللة تقودها حقيقة إعلامية تروم في آخر المطاف صون حقوق يراد بها باطل .
حقا إن الحقل الحزبي يعيش الرداءة والتفاهة والهشاشة ، غير أن الحالات النضالية المدنية لا يمكن أن تشكل بديلا عن الأحزاب لبلورة السياسات العمومية ، اللهم إذا حصرت الاستراتيجيا في مجرد دعم عمليات التفكير من أجل التغيير أو الإصلاح عبر آليات الدمقراطية التشاركية ، في اتجاه خلق جبهة اجتماعية مدنية ببعد سياسي ، وليس حزبي مهيكل ، مادامت الدولة بمثابة حزب كبير ، يؤلف بين السرية التقليدانية والعلنية اللبرالية ، ووفق خيارات اقتصاد السوق ، وبمقاربة مترددة لا تؤمن بالوسطية او الوساطات حيث تصاب السياسة بالسقم ، وتتيه البوصلات و ينتعش الإرتباك و التوتر ، حينها يموت الحوار و ينتفض المقهورون عفويا / عشوائيا ، وعلى قدر الإحتكاك يتململ المجتمع المدني من أجل الوساطة الإجتماعية ، لكن كلما طوق المجتمع المدني / الحقوقي ، فاضت القوة عن المعدل ، وعاد التعسف والتسلط ، وكخلاصة لا يمكن للمجتمع المدني / للحقوقيين أن يحلوا محل السياسيين الحزبيين ولو تمثلوا الديمقراطية التشاركية بصفة مطلقة ، اللهم في رصد مؤشرات عدم تكرار الانتهاكات ، فهل للدولة الراعية وجود دون سياسة / ديمقراطية تمثيلية ؟ وهل من معنى للتدبير السلمي/ غير العنيف للصراع دون صيانة الحقوق والحريات وتأهيل العمل الحزبي بالنزاهة والنبل ؟ من هنا فمن اولى الاولويات تجريب إمكانية إصلاح منظومة العدالة وكل القطاعات المرتبطة بها بنيويا من آليات التشريع ومؤسسات الأمن والضبط الإجتماعي ، وهي مداخل أساسية لأن عدم الإختصاص في الصراع حول السلطة لا يغني عن النضال من أجل النزاهة والحكامة والمحاسبة ضمن إستراتيجية الحد من الفساد والإفلات العقاب ، تجفيفا لبعض منابع إنهيار قيم المواطنة وحقوق الإنسان ، وفي ذلك فليتحالف الحقوقيون والمهنيون ذوو الصلة .