محمد نجيب كومينة
من يرغب في تصفية رصيد وطني تاريخي اكسبنا ميزات كثيرة بالمقارنة مع تجارب الحزب الوحيد والراي الوحيد في محيطنا؟
يطرح هذا السؤال المقلق هنا والان بعد سماعي او قراءتي لكلام رديئ،بل وسخ و خارج التاريخ، يستكثر على المغاربة تعدديتهم التي كانت وماتزال حمضهم النووي، ويستنكر، بلغة تهديدية احيانا، تعبير جزء من المغاربة عن معارضتهم للحكومة ورئيسها وللسياسات الحكومية، ان وجدت، وللتدبير الحكومي لظرفية صعبة الذي ابان عن فقدان من يتلون الشان الحكومي للقدرات التحليلية والسياسية و للمؤهلات القيادية والاستعدادات التواصلية التي تتطلبها هذه المرحلة المشحونة بالازمات والمفتوحة على اللايقين.
ذلك ان بعض الابواق، الماجورة فعلا في كثير من الاحيان او الباحثة عن الهمزة في سوق الانتهازية والاحتيال، تريد ان تقنعنا باننا نخون وطننا و نمس بمصالحه الانية والاستراتيجية ونهدد استقراره ان نحن عارضنا الحكومة ورئيسها او انتقذنا عجزها وتخبطها وارتباكها وفقدانها للرؤية والسياسات العمومية الحقيقية التي تصب في مصلحة كل المغاربة وكل المغرب وليس في مصلحة اوليغارشية تتجه بخطى غير متريثة نحو الطغيان و اشاعة افكار الدولة البوليسية ناسية او متناسية، او جاهلة حتى، انها بذلك تعمل على هدم مابني مند مطلع تسعينات القرن الماضي، مرورا بالتناوب والتوافقي والعدالة الانتقالية ودستور 2011، وعلى القطع مع تاريخ وطني طبعته التعددية السياسية و التعددية النقابية والتعددية الجمعوية والتعددية الفكرية والثقافية والفنية وغيرها واكسبت المغرب خصوصياته التي نعتز بها و جنبته مخاطر عديدة ومكنته من لحمة وطنية قوية ومن تجديد الحل الوسط التاريخي كلما دعت الضرورة الى ذلك بالطرق التي ابتدعتها الدولة بشراكة، او في اطار الاختصام والتدافع، مع القوى الحية بالبلاد.
لست ممن يختصرون الامور في اخنوش، لكنني اعتبر اختياره لقيادة حكومة المغرب بالمستوى ا لسياسي الهزيل الذي ظهر به خطا، لان البلاد تحتاج اليوم الى رجال ونساء يمتلكون رؤية سياسية وقدرة على تصريفها والتواصل بشانها باقتدار وليس لتجار او تقنيين يفتقدون للحد الادنى من القدرات القيادية والسياسية والتواصلية وحتى التدبيرية، لان الدولة ليست مقاولة و اختراق اساليب تدبير القطاع الخاص لها (New Public Management ) لايعني انها قابلة للتحول الى مقاولة او فيرمة او بومبة او بنكة…، او الى امعات او اطفال كبار حضرت لهم العائلة القيادة والوزارة كي يستمروا “فلفشوش”. ومن سوء حظنا ان هذه الحكومة، غير السياسية في العمق، ترث حكومات قادها اسلاميون فاشلون على كافة الاصعدة والمستويات اضاعوا عشر سنوات على البلاد وفوتوا عليها فرصا للتقدم والخروج من ورطة النمو الضعيف والارتهان لتساقطات الامطار و لتطوير التشغيل و تحسين مداخيل الفئات الفقيرة او ذات الدخل المحدود، وايضا لانجاز عدد من الاصلاحات التي ترتقي بقدراتنا في العديد من الميادين و تمكن من تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، والحقيقة انهم ماكانوا ليعطوا ما يفتقدونه، وخصومهم اليوم، الذين عولوا عليهم بالامس للتغطية على ضعفهم المطلق، يظهرون اليوم على حقيقتهم هم ايضا، فاخنوش الذي ابان عن ضعف مثير، بعد عمر في الحكومة، يظهر وكانه تلميذ كسول في السياسة، ويخشى ان يكرر تجربة المرحوم والده احاد والحاج اخنوش الذي اسس حزبا و اصدر جريدة واحاطت جمهرة من الشلاهبية وكاد يفلس بسبب ذلك.
وكما اني لااختصر الامور في اخنوش، فانني لا ارى ان من جعلوا من 7 دراهم و 8 دراهم وسما، في هذه الظروف، مختلفين كليا عن المحدودين والفاشلين الذين يتولون المسؤولية الحكومية اليوم، او الذين تولوها من قبلهم، فهذا النوع من المعارضة الغوغائية يهزم نفسه بنفسه، لان الجميع يعرف ان الاسعار العالمية للبترول وللمحروقات ارتفعت بشكل كبير وان طاقتنا التخزينية، المفروض ان تمكننا من تكوين احتياطي استراتيجي والتعامل بذكاء مع تدبدبات الاسواق والعملات، محدودة، والمصفاة الوحيدة مغلقة، و كان ممكنا للحكومة ان تلجا الى وقف استيفاء الرسم على الاستهلاك مؤقتا كحل من الحلول في مارس الماضي من اجل التاثير على الاسعار الداخلية والحد من التضخم، لكنها لم تفعل، و اختارت الدعم الذي لم يكن له اثر، وحتى هذا الخيار صعب في ظل المعطيات الحالية، اذ من شانه ان يشعر المستهلك ان المغرب بمناى عن الازمة العالمية ويدفعه الى رفع استهلاكه الطاقي ويفرض بالتالي مزيدا من الاستيراد باسعار مرتفعة ودولار مرتفع في نفس الوقت، مع ما يمكن ان يترتب على ذلك من تدهور خطير لعجز الميزان التجاري و لاحتياطي البلاد من العملة الصعبة، والاكيد ان ذلك الخيار ماكان ليضر اخنوش او غيره من المستوردين والموزعين، بل العكس، وانما يضر الخزينة والتوازنات الماكرواقتصادية للبلاد.
وقد لوحظ ان بعض الصحف، في اطار الدفاع عن اخنوش والحكومة، بدات تروج لفكرة مفادها ان المشكلة كلها تكمن في الاقتطاعات التي تفرضها الدولة على اسعار المحروقات، مع نسيان هوامش الموزعين والمستوردين التي زادت باضعاف بعد تحرير تلك الاسعار، ما يعني ان لوبي المحروقات يستغلها فرصة للترويج لاهدافه في المجال الضريبي عشية اعداد ميزانية السنة المقبلة، ولا يرعوي ولا تهمه غير مصلحته الضيقة.
توضيحات كان لابد منها، وعود على بدء اقول للابواق الماجورة فعلا، ولطابور الانتهازية الذي لا يحركه اي وازع وطني حقيقي، اذا وجد في من يعارض الحكومة ويناقض اختياراتها مشكوك في ولائهم للوطن، الذي لا يطابق الولاء للحكومة والا اصبحنا في حيص بيص وقلدنا من لا يقلدهم احد، فليفعل القانون وليتحرك القضاء، اما خطاب التخوين والاتهام بتهديد الاستقرار وماالى ذلك، فانه خطاب فاسد ومن شانه ان زاد عن حده ان ينقلب الى ضده، فالمغاربة كما يعلم ذلك الاصدقاء والخصوم في صف واحد لما يتعلق الامر بوحدة التراب الوطني ومصالح الوطن، وعدا ذلك لهم الحق، الذي مارسوه مند القديم، في الاختلاف والتعدد والراي والتعبير شاء ذلك من شاء وكره من كره، ومن احس اليوم بقدرته على اسكات الجميع باساليب هابطة، فليتذكر وان غذا لناظره لقريب