إدريس الأندلسي
سؤال الأسعار المتعلقة بالمواد الطاقية و مواد أساسية أخرى يزيد اشتعالا منذ مدة طويلة. حكومة سابقة حررت سوق المحروقات و أخرى تجرأت على القوة الشرائية للأسرة و المواطن و ثالثة وقعت في حرج لأن رئيسها يملك أكبر شركة توزيع للمحروقات و مشتقاتها و حتى للأكسجين و أشياء أخرى. لا زلنا نتذكر تلك المعلومة التي وفرتها إحدى الشركات الأجنبية التي توزع المواد البترولية بأسواقنا و التي أكدت أهمية هوامش الربحية التي حققتها بالمغرب. و لن ننسى كيف تم توديع رئيس مجلس المنافسة السابق من منصبه بعد أن قرر المجلس أو لم يقرره في شأن توقيع غرامات كبرى على شركات لم تحترم قانون المنافسة. و كان وقع كلمة التقنوقراط أقوى من القرار السياسي و النقابي. و أجبرت المالية العمومية على مضاعفة مجهودها لضخ الملايير في صندوق المقاصة. و بالطبع ستظل الشفافية هي المطلب لمعرفة من المستفيد الأكبر من المال العام. أهو الفلاح و العامل و رب الأسرة الفقيرة و المتوسطة أم أصحاب الاستهلاكيات الكبرى و المشاريع العقارية الكبرى و مؤسسات التعليم الخاص الكبرى و المشاريع الصناعية ” الكبرى”. كل ما هو إستراتيجي في بلادنا هو من فعل المال العام. و لحسن الحظ أن مشاريع البنية التحتية الكبرى تم إنجازها بإشراف ملكي على مدى عقدين.
هل كل ما جاء على لسان خبراء و نقابيين عاشوا تجربة سوء تدبير لاسمير خطأ و ضعفا في قراءة آليات سوق الطاقة. هذه السوق خطيرة و ما حصل لمن حمل مشروع لاسمير الإيطالي ماطيي يحمل على الاعتقاد أن سوق الطاقة فيه ما فيه من العدوانية التي فجرت طائرة ماطيي. و فيه ما فيه من المؤامرات التي صاحبت حرب اكتوبر 1973 . توقفت بعض شركات التوزيع بأوروبا و لم تتوقف شركات الإنتاج بشمال هذه القارة لكي تضاعف ارباحها و تزداد الحملة العدائية على الدول العربية التي ناصرت القضية الفلسطينية. و كان لخصوصيتنا المغربية أن سهر أحد الوزراء التقنوقراط الراحلين على الخوصصة و مباشرة تحول إلى مدير عام للراحلة لاسامير. و اليوم نقف على حقيقية من انتفع من تحرير الأسعار و توقيف التكرير و المحافظة على نسب الضرائب المرتبطة بالمحروقات. المستفيدون هم من يستفيدون من كل ” الكرم المرتبط بالمال العام ” ببلادنا. هؤلاء تتزايد ثرواتهم كل ساعة و لا فعل لهم في سوق الشغل و لا في زيادة الثروة الوطنية. و أظن أن التقنوقراط، و أغلبهم لا يطيقون قواعد الديمقراطية الحقة و البعيدة عن الممارسات السياساوية، سيستمرون في دفع التوازنات الإجتماعية إلى منطقة عدم التوازن. صحيح أن هناك مشروع ملكي إستراتيجي في مجال التغطية الإجتماعية لكن هناك قوى تهدف إلى إفراغه من روحه الثورية. و هذه القوى تسيطر على أسعار الأدوية و المستلزمات الطبية و الخريطة الصحية و حتى على سلوك بعض الأطباء الذين يهربون خلسة إلى المصحات الخاصة. و يبقى المواطن المريض ضحية المواعيد التي تتعدى العام لإجراء عملية أو الخضوع لفحص بالأشعة و غيرها من الخدمات الصحية في القطاع العام. أعداء الإصلاح الإجتماعي يضرون بالتوازنات المالية للمؤسسات المسؤولة عن التأمين الإجباري عن المرض و تدفعها للإفلاس. الأرقام صادمة و العجز التقني يتضخم و إستخدام الاحتياطيات يسرع الوصول إلى مرحلة الخطر.
هذا مجرد مدخل إلى سوق المواد الطاقية و غيرها في بلادنا و كل الأسواق ذات الارتباطات بمصالح كبرى لقيادات اقتصادية و ذات امتدادات سياسية تحاول تركيع المطالبات الإجتماعية بالشفافية. غدا و ليس الغد ببعيد ستصبح الأحزاب الوطنية الكبرى في يد من يقررون في ثمن السكر و الدقيق و العدس و الطماطم. و قد تتحول المجالس الترابية إلى بورصات لتحديد الأسعار. قبل أيام صدرت أحكام في قضية ما يسمى ” بالاتجار غير القانوني ” بتذاكر كان من المفروض أن يستفيد منها مغاربة سافروا ليلا و عادوا لوطنهم ليلا و تم حرمانهم من دخول الملعب لتشجيع منتخبهم الكبير و الباهر و الذي حظي باستقبال جماهيري و ملكي تاريخي بكل المقاييس.
ما جرى بخصوص تذاكر المونديال هو ما جرى و لا زال يجري في مجال المحروقات و العقار و النقل و التعليم الخصوصي و المستشفيات الخصوصية. هل أصبح هذا البلد الأمين مستهدفا من طرف أبناءه أصحاب الملايير. الحكومة تكون دائما وابدا على أتم الإستعداد للرد على كل انتقاد لسياساتها التعليمية و الصحية و الفلاحية و لكنها لا تعترف بصعوبة الولوج إلى العلاج و لم يسبق لها أن اقرت بضعف تنزيل سياسة قطاعية فعالة للحد من الهدر المدرسي و لا للحد من مظاهر التسول و العنف الأسري و الرشوة و هيمنة الريع و تزايد حجم القطاع غير المهيكل.
هل يمكن لمؤسسة المنافسة و لوزارة الطاقة و لكل المجالس الدستورية و للإدارة العامة للجمارك و للإدارة العامة للضرائب أن يضعوا أمام المواطنين و البرلمان معطيات حقيقية حول سعر المواد الطاقية عند الاستيراد و سعر بيعها في السوق الوطنية. و الأمر يتعلق كذلك بسعر الأدوية التي يفوق مستوى سعرها في الصيدليات سعرها في أوروبا. سمعنا وزيرا سابقا في التجارة يهدد تركيا بمراجعة إتفاق التبادل الحر و لكننا لم نسمع شيئا عن أسعار الطاقة و الأدوية. كثير من الكذب يحيط بصناعة الأدوية بالمغرب. ولكن الصناعة لا يمكن أن تتلخص في التعليب و الإستفادة غير المشروعة من الحيلة المحاسباتية التي تسمح بتسهيل التهرب الضريبي. ناقشت متخصصين و أكدوا لي أن الكثير من الشركات تشغل مغاربة لوضع أدوية في علب كتبت عليها نصائح بالعربية حول طريقة إستخدامها . و لكن هذه الشركات الأجنبية تهدد دائما بنية غير سليمة لوقف نشاطها التجاري الذي يفوق في ربحيته ربح الشركة الأم. و للأسف تجد هذه الشركات دعما و حماية و كثيرا من أدوات تهديد البنية الصحية ببلادنا و حتى الأصوات التي تحمل رسالة حول ضرورة تخفيض مستوى الأسعار لكي يصبح، على الأقل في مستوى أسعار الدول الأوروبية.
الأسعار و تركيباتها مجال لا يحتمل المزيد من غياب الحكامة. قيل للمغاربة سنة 2008 أن القطاع الفلاحي سيحول المغرب إلى قوة تحقق الاكتفاء الذاتي و تعزز الميزان التجاري و تحول القطاع إلى مساهم في بنية الناتج الداخلي الخام. قيلت الكثير من الوعود و أستمر القطاع الفلاحي الفقير على ما هو عليه من الهشاشة. و قيل سنة 2008 أن هذا القطاع سيتحول إلى عصرنة عبر سياسة تضامنية تربط الاستهلاكيات بالفلاح الصغير. و النتيجة استمرار هشاشة القطاع و غياب أي تقييم للآثار الإقتصادية و الإجتماعية و المالية لمشروع أخضر تحول إلى جيل أخضر. الأسعار التهبت و الفلاح الصغير لا زال يعيش الهشاشة و الفرشة المائية تم انهاكها. و قيل لهم من طرف ممتهني السياسة البسيطة الفهم و التأطير الهش و ذو المردود المالي أن الأسعار ستتراجع.
سألت أحد كبار مهنيي الصيد الساحلي عن إرتفاع الأسماك فاقسم أن السعر الذي يدفعه المواطن لا يصل إلا ثلثه أو أقل إلى حسابه. و نفس الأمر ينطبق على الفلاح المنتج الذي لا علاقة لدخله بسعر منتوجه الذي يدفعه المستهلك. و الأمر كذلك موجود في مجال العقار. السماسرة في كل حي و قطاع و سوق و منتوج حاضرون. يغتنون و لا يدفعون ضرائب و لا واجبات حماية اجتماعية للعاملين لديهم. السمسرة أصبحت أهم من الإنتاج و من التصنيع و من الابتكار. بهذه البنية سنظل بعيدين عن أهداف النموذج التنموي الجديد. لم استعمل الأرقام المتاحة في الحسابات الخصوصية للخزينة و لا تلك توجد في النفقات الجباءية و لا تفاصيل الميزان التجاري، لأن هذه الأرقام يمكن الإطلاع عليها بسهولة. و لكن الأهم هو الدفاع عن الشفافية الديمقراطية بدل وضع القرار بين يدي تقنوقراط لا تتم محاسبتهم. و إن سألتهم عن الفشل، أخرجوا جواز سفر أجنبي و غادروا البلاد. و لك ألله يا وطني.