إدريس الأندلسي
تقترب الساعة الآن من منتصف الليل. تفصلني عن أقرب ساحة كبيرة من تلك التي خصصت لمهرجان موازين أكثر من كيلومتر. و لكنني أجد نفسي مرغما على تحمل صخب يسمى بالموسيقى في هذا الزمن الغريب. أحاول إقفال النوافذ، و أجد نفسي مرغما على فتحها باحثا عن نسيم بعثه الله بدل ضجيج سببه بشر.
أحب الموسيقى بكل أشكالها و اناضل ضد كل من يضعها في ميزان “الحلال و الحرام” . موازين لحظات تصنعها عبقريات تبدع في صنع الجمال عبر النغم و الكلام و الموازين. أحب الكثير، و يأتي وقت، أكره فيه من يريد أن يقدم الفن في صورة عنيفة تحرم النوم على الرضيع و التلاميذ و المريض و على كل من يقاوم علة أو مرضا من خلال الخلود إلى النوم. لا أضع مقاييسا أخلاقية لقول كلمة صدق في مجال الإبداع. سيظل همي أن تتحول مؤسسة مغرب الثقافات إلى مؤسسة تدعم الثقافة الجديدة في بلادي. أعرف أن داعمي موازين لهم قدرات مالية كبيرة. و أتمنى أن تسخر هذه الإمكانيات لدعم الإبداع الثقافي في كل المجالات. لا أدري إن كان أصحاب القرار في موازين على علم بالموت البطيء للسينما و للمسرح. لن أحملهم مسؤولية تاريخية، و لكنني أتمنى أن يصبح مهرجان موازين مناسبة للرفع من التعامل مع الثقافة. أتمنى أن تستمد السلطات أنوار الثقافة لكي يصبح مهرجان موازين شعلة في عالم التنوير الجميل. لا يهمني أن يرقص المئات من بعض الشباب، ولكن الأهم أن يتجذر الإبداع الفني في بلادي.
تأكدت اليوم و أنا أزور صديقي المولوع بالفن و الذي يبعد منزله عن ساحة السويسي الكبرى بمئات الأمتار. أراد أن يخلد للنوم بعد ليلة صاخبة كانت تهز خلالها أركان بيته . و ما هي إلا ساعات من الراحة، حتى انطلقت تمارين الفرق الموسيقية التي كانت تتهيأ للحفل الموالي. كنت في بيته البعيد عن منصة فندق ” هلتون ” المسمى حاليا بسوفيتيل ، في بداية الظهيرة. أثرت أشكال عنف الموسيقى، خلال التدريب، على أصواتنا.
تكلمت مع صديقي عن معرض الكتاب و ما سببه لسكان الأحياء المحيطة به. فأجابني بكثير من التقدير لمعرض الكتاب الذي لا يسبب أرقا و لا يعتدي على مواقيت نوم الكثير من سكان الأحياء المجاورة لمنصاته. نحب الفن و المهرجانات و معارض الكتاب و الفيلم و التكنولوجيا، و لكن مهرجان موازين و من ينظمونه لا يفكرون في سكان الأحياء المجاورة للمنصات. يأتي الشباب المولوع من كل أحياء الرباط ليحتفلوا بالنغم رغم شعوره بالغم في ظل واقع مأساوي بغزة و حرارة أسعار في كل الأسواق، و غياب آفاق تعيد له آمال في سوق الشغل و في ولوج حقيقي لخدمات الصحة العمومية.
أحب الموسيقى. ولكن الثقافة تشمل كل تعبير جميل مقبول من طرف جمهور مغربي مولع بالفن. و لا أظن أن مهرجان موازين يشكل قيمة مضافة إلى الثقافية في بلادنا الحبيبة. قبل أسابيع، احتفلت المملكة العربية السعودية بالموسيقى المصرية. و هذا شيء جميل و مطلوب من النواحي الجمالية ، و كذلك تلك التي تهتم برأسمال لا مادي جسدته أعمال العمالقة من أمثال بليغ حمدي و الموجي. و لدينا في بلادنا كنوز من الأصوات و الجمل الموسيقية . و غنت الكثير من الأصوات النشاز الضعيفة التي تسيطر على برنامج فضاء حي النهضة. أخجل من عمل من يبرمجون مهرجان موازين. ألف رحمة عليك أيها الأسطورة عبدو الشريف ، و مزيدا من العطاء أيها المبدعون المغاربة و الذين لا مكان لهم في برمجة موازين. كم أنتم محبون لموسيقى بلدكم يا نعمان لحلو و يا مولاي أحمد العلوي و يا البشير عبدو و يا عبد الواحد التطواني و يا كل المظلومين و المبدعين المبعدين عن مهرجانات تنظم في بلادهم.
أتمنى أن يصبح مهرجان موازين مغربيا في الأول و الآخر. نعم يجب أن نستدعي كبار المبدعين العالميين فقط. و يجب أن نتفق على مفهوم الإبداع قبل تخصيص مئات الملايين من الدراهم للأجانب و بعض آلاف الدراهم لبني وطني من المبدعين. و لمن يريد أن يبيعنا وهما عن تأثير مهرجان على سياحة أو استثمار، وجب القول كفى. كل مهرجانات المغرب يجب أن تنمي و تطور الثقافة المغربية أولا، ثم أولا ، ثم أولا. موازين اليوم عنوان للأرق و كثير من الظواهر التي تزيد من حدة الاستلاب الثقافي و الحضاري . نعم لموازين تدعم الإبداع المغربي دون وصاية غربية و لا شرقية. دورة موازين الحالية تدعمها مؤسسات خاصة قريبة من المؤسسة المنظمة. و رغم ذلك يجب أن يكون المهرجان لحظة لدعم الإبداع المغربي و ليس لتقديم هدية متواضعة إليه. مرت سنوات من الدعم المالي و السياسي لمهرجان لم يترك أي أثر على نمو الموسيقى المغربية. أتمنى أن يخلق هذا المهرجان الكبير مدرسة لدعم الإبداع الموسيقي و آليات للإنتاج الفني. و ندعو ألله أن يلهم أهل موازين إلى الفهم الحقيقي لدعم الثقافة. و كفى…