عبد الصادق شحيمة
“متى ندرك مواجع أنفسنا الحقيقية وأدمغتنا المصادرة، ومتى نؤمن بالإنسان كمحور لا نسعى لتشييئه أو تهميشه، نقضي في الحين نفسه على الورم الخبيث الذي ندعوه فسادا. فساد الأجساد والنفوس والعقليات والتاريخ. نحن نتآكل بهذا الشكل المريع، لأننا لم نفهم بعد آليات السوسة التي تنخرنا وتهدمنا من الداخل. وحالما نضع أيدينا على موطن الداء، حينئذ يمكن أن نتغير لنكون هذا الإنسان الجديد الذي لن يهبط علينا حتما من كوكب آخر، نحن هو وهو امتداد لنا. موال أطلسي ص 123
تعلن الإهداءات الثلاثة الموالية عن اللغة ملاذا واللغة لباسا واللغة حلما.
الملاذ اللغوي وكذلك اللباس اللغوي خذلان وتعرية، وللمخذولين العراة تهدي الكاتبة روايتها إسهاما منها في الخروج عن دائرة الخذلان تلك.”مصطلحات فضفاضة نسوقها ذات اليمين وذات الشمال نقولها بشكل آلي لنخفي بها أحاسيسنا الحقيقية.
بهذا الوعي اللغوي يخاطب حمودة المختار :” أنت تعرف جيدا أنك لا تضيف معنى جديدا، وأن الاختباء وراء الكلمة مجرد تمويه عن أزمة…..”ص106
أما عن اللغة الحلم، اللغة الأنثى،اللغة الأرض، اللغة المعطاء، اللغة الأم في الإهداء الأخير، وهو بالمناسبة ذاتي يهم علاقة الكاتبة باللغة، قبل أن يهم المتلقي/المهدى له بها، اللغة في الإهداء رتق والأرض الأولى تفتق بالقطر/المطر، والثانية بالنبات، أما اللغة فمفتقها ناي أسطوري (أقول مفتقها لا فاتقها لأن الكاتبة انتقلت من فتق إلى فتق، وبناء عليه فهي قائدة الأوركسترا المواويلية، خاصة إذا نحن أخذنا بالاعتبار أن الفتيق تطلق في العربية على اللسان الفصيح على وزن فعيل فصيح اللسان حديده.
للكتاب كما يقول الناقد المغربي الكبير – عبد الفتاح كيليطو – وخاصة المغاربيين منهم حكاية مع اللغة أو اللغات العربية، الفرنسية، الأمازيغية، حيث لا شيء مما يقولونه يمكن فهمه من دونها، وأنا بهذا الصدد أستأذن الكاتبة لأسقط عليها المفارقة التي وصف بها كيليطو نفسه فأقول بأنها هي الأخرى تعلمت الفرنسية لتتمكن من الكتابة بالعربية، وفي هذه المفارقة تحديدا تبدو أسطورية نايها الخارقة ناي يتمتع بالفحولة ويفترع بكرات اللغة وتجليات ذلك في نصها الروائي عديدة لن نعدم الاستمتاع بها في الجدائل التي تنسج بها الوقائع والأحداث بدءا بالمتن ومرورا بالشخوص والحوار والوصف وصولا إلى اللغة، لنستمع إليها وهي تقدم لوحة فنية واصفة “طيفان في عنفوان الشباب والحب والرغبة. يقفان متعانقين في غاية الانسجام. همس وقبلات وعناق طويل، ثم يجلسان. الفتاة في غنج أولا، ولا تزال ممسكة بإحدى يدي الشاب، ثم ينحني ليجلس ملتصقا بها. يضع يدا خلف جيدها والأخرى بتؤدة على صدرها. يتهامسان وبوداعة يستميلها بين ذراعيه ثم شيئا فشيئا يمددها على العشب الندي الذي ما فتئ يناديهما ليتبلل بجنون عشقهما. يتمدد هو الآخر… يقترب أكثر من وجهها ومن شفتيها، فتتلاصق شفاههما وتتمازج في قبلة عميقة، يداهما تتشابكان، تسرحان محمولتين على صهوة اللمس المثير.. تتوقدان بملامسة جذوات العشق في مواضعه شديدة الحساسية.. يشخصان بعدها إلى السماء. ثم تتوالى حركاتهما المتغنجة ومداعباتهما المثيرة. تثيرني فأكاد أجن… وكلي أمل أن يكون حبا حقيقيا” موال أطلسي ص 25 ”
5-تصدير بمقطع لفرناندو بيسوا من أناشيد ريكاردورييس:
آخر عتبة من عتبات النص الموازي،تصدير بمقطع شعري، يمكننا اعتباره بمثابة قلادة تقوم بوظيفة تلخيصية لرواية موال أطلسي، وتوجه أو تنشط القارئ لأفق أو بنية توقعات، لتشكيل قراءة مفتوحة تفترض وجود علاقة بينه وبين النص الروائي، إنه بمثابة مقدمة ذات قيمة تداولية، نتساءل عن مؤلفه، وأسباب اختياره من طرف من اقتبسه.