عند مولات ألدون…
الزمان: قبيل عصر يوم الأحد…
المكان: زقاق جانبي في عرصة تحولت إلى حيّ سكني منتصف القرن الماضي
عند مدخل الدار المغلق، اجتمع لفيف من النسوة اللواتي انسجمن سريعا في حديث ودي ويكأنهن يعرفن بعضهن البعض منذ زمن طويل، وغير بعيد عنهن، كان غريبا منظر ذلك الشاب الذي انزوى في ركن قصيّ وهو ينتظر دوره أيضا، كانت ملامح القوم وسيماهم الظاهرة على سحناتهم وهندامهم تشي بانتمائهم إلى طبقات اجتماعية متفاوتة، اختلف سعيهم لكن قلوبهم اجتمعت على “ألدون” واحد…
انفتح باب جانبي على حين غرة، وعند مدخل الدرج وقف رجل خمسيني يسلم الوافدين “نفولة” زرقاء تضمن لصاحبها/تها مقابلة الزعيمة/مولات ألدون، تسلموا أوراقهم تباعا ثم بدأ موسم الصعود نحو سطح المنزل حيث ستقام مراسم هذه المباراة غريبة الأطوار، وهنا لم تنفع القوم أموالهم ولا زخرفهم إلا من أسعفته لياقته البدنية في تسلق تلكم “الدروج” المتعبة نحو الهدف المنشود الذي بلغوه في نهاية المطاف بعد جهد جهيد…
بدت لا جميعة في مزاج متعكر وهي تستقبل وفود المريدين، ثم أمرتهم بالابتعاد عن ركنها المفضل نحو السطح المكشوف حتى لا يفسدوا عليها لحظات التجلي، وذلك قبل أن تزيد من جرعة التوتر وهي تأمر الجمع المتجمهر بانتظار دورهم في غرفة تكدست بها الأجساد المنهكة والعقول الملهوفة لنوال صاحبة الحل والعقد…
ـ هاد البنت جات البارح، غادي تدوز قبل ما نوض نصلي العصر، ولا عرفتوا آش تديروا، انا ما تنبغي نخلي الرجال يتسناو، غادي ندوزها وندوز الراجل موراها، ونمشي نصلي عاد تدوزوا نتوما…
هكذا خاطبت “لا جميعة” معشر النسوة بنبرة واثقة آمرة وكأنها معلمة تفتي على التلاميذ واجباتهم المدرسية بشكل لا يقبل النقاش أو مجرد الأخذ والرد، فلما سرت همهمات بين الحضور، خيرتهم مولات الدار بين القبول بالأمر الواقع أو الانصراف لمن كانت منهم على عجلة من أمرها…
ـ لالا ما زربانة والو، جينا جينا غادي نتسناو؛ هكذا تكلمت إحدى الحاضرات وهي تبتسم بشكل يوحي بأن الأمر يستحق عناء الانتظار بعد أن وزنت الكفتين بحساب ذهني سريع…
كانت تلك الشابة الحسناء بجلابتها الخضراء أول الجالسات على “كرسي الاعتراف”، وبدا من لكنتها أنها “برانية” قادمة ربما من شمال أو شرق المملكة، وكانت النظرات التي تبادلتها مع الشاب المتربص لدوره غير بعيد عن مسرح الأحداث ـ جالسا فوق “كوربة” في مزيج عجيب من الحرج والتوتر والعجلة من أمره ـ تشي بسريان تيار الإعجاب بين الطرفين، وذلك على الرغم من كونها شكت للا جميعة لوعة الحب وغدر الحبيب، لكن منطق عصفور في اليد خير من عشرة فوق الشجرة كاد يفرض نفسه لولا أن لا جميعة حدجت الشاب بنظرات مرعبة وهي تكاد تنومه مغناطيسيا قبل أن تطلب منه الاقتراب والجلوس على “المنصة”، ثم الوقوف حتى تتمكن من “تطرطيق” حديد الألدون عليه، وهي تسرد على مسامعه أخبار غزواته النسائية لتطلب منه بعدها أن يقلل من إنزالاته الغرامية لأنه “شي نهار غادي يتلاقى مع مولات دعوّتو”، أما “البخور ديال الڭليع”، فقد رفضت “لا جميعة” تسليمه للزبائن لأنهم لا يلتزمون بالتعليمات حسب قولها، والذي كان فصلا لا يقبل التراجع ولا المساومة.
مراد النصيري