آخر الأخبار

ميدالية الحواجز الرياضية  و حقوق الإنسان و حكامة  الإقتصاد   سلوك البقالي مطلوب في مغرب اليوم 

ادريس  الأندلسي

أطل علينا شاب طويل القامة، نحيف الجسم،  صلب العضلات  و  الإرادة و هو يدخل الفرح على المغاربة. انطلقت العبرات من مقلتيه  و العبارات من شفتيه، عبر بصق حين وجه شكره لمن يستحق الشكر بعد الله. لأكثر من رابع مرة  و هو يفوز بالقاب عالمية  و أخرى أولمبية ذهبية. هذا المغربي البقالي حفر طريق المجد بيديه  و بركبتيه  و بإرادة من فولاذ. هذا البطل أدخل الفرح إلى  قلوب المغاربة بكثير من التعبير المتواضع عن الفرحة.  و وجب التأكيد على أن أبناء شعبنا من المجتهدين يثابرون، كما ثابروا  من  قبل،  من أجل أن يدخل الفرح إلى قلوب المواطنين.  و لأن للفرح صناع  و مبدعين،  وجبت التحيات لسعيد لعويطة  و نوال المتوكل  و  طلاح حيسو  و ابراهيم بوطيب  و خالد السكاح  و  هشام الكروج  ونزهة بيدوان  و غيرهم ممن رفعوا بعزمهم علم البلاد. كان  وراء  هؤلاء الأبطال و البطلات فريق فني  و مهني  كان عنوانه ميادين السباق  و غرس النقلة التي تتحول إلى أشجار  و غابات من  سنديان  و أرز  و وكاليبوس. و فجأة عم الخسوف أرض تكوين الأبطال  و تسلل آخرون حولوا  تقليدا دون كفاءة  و ساد التواضع مضمار ألعاب القوى. و لولا البقالي لما بقي لنا ما نحتفل به في أرض صنعت الأبطال  و حصدت ميداليات من ذهب  و ألقاب عالمية.

يقترن الفرح دائما بالانفراج  من أعلى سلطة في البلاد إلى قلب مواطنين  واعيين  بأهمية السلم الإجتماعي  و حقوق الإنسان  و دور المشاركة السياسية التلقائية في زيادة صلابة أركان بيت الوطن  و سقفه بالحديد  و الحجر. دخل ملك البلاد إلى معركة التغيير منذ أكثر من  عقدين من  الزمن. آمن  و ترجم إيمانه عبر سياسة حقوقية مدت جسور من أجل مصالحة بلاد مع تاريخها.  و ووجب التأكيد على أن  الجسر الرابط بين الإنجاز الرياضي  و التعليمي  و الحقوقي  يجب أن يكون،  و يظل صلبا  و ممتدا عبر العقود  و الأجيال.  و لا زال بعض الرجعيين ، و ما أكثرهم  على  قنوات  التواصل الاجتماعي،  يربطون الانفتاح الحقوقي بقضيتنا الوطنية الأولى.  و يرتبط هذا السلوك بمنهجية انتهازية  تمتد جذورها  إلى  سنوات الرصاص التي قطع معها المغرب ،كدولة ، منذ عقود. و لكن  الهدف  الأسمى  هو  بلوغ  المغرب  إلى  مراتب  الدول  الصاعدة. 

لا يمكن عزل ما سبق عن أرقام اقتصادنا الوطني  و عن حقيقة وضعه الحالي.  يعتبر هذا المجال ميدانا لقياس البنيات  و فاعليتها  و عدم الانسياق  وراء الأرقام  الموسمية. حين نقرأ بعض الأرقام ذات الآثار على  مؤشرات المالية العمومية  و التوازنات التي تسجلها بعض حسابات وضعنا المالي الخارجي الذي يتابعه مكتب الصرف و إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة،  يتضح بجلاء أننا في حاجة إلى  الكثير من العمل.  نفتخر، كمغاربة،  بكل المنجزات في كل القطاعات. تشير بعض التقارير المرحلية إلى تحسن مستوى العجز التجاري.  و لكن حجم هذا المستوى ( بالنسبة المئوية ) لا يعكس أي  تحسن على مستوى حجم العجز التجاري الذي وصل إلى  ما يزيد على  139 مليار درهم عند متم شهر يونيو.  و لتغطية هذا العجز يتم الرجوع إلى حسابات تتعلق بميزان الاداءات.  و هكذا تمكننا، خلال النصف الأول من السنة من تحقيق فائض بالنسبة ” لحساب السفر”  لم يتجاوز  1،731 مليار درهم.  و يعزى هذا الرقم المتواضع أساسا إلى  ثقل نفقات ” السياحة الدينية ” بالإضافة إلى  آثار إرتفاع تكلفة الاصطياف داخل الوطن.  و قد بلغت  مصاريف المغاربة المرتبطة بالسفر إلى  الخارج، عند متم يونيو، ما قدره حوالى 48 مليار درهم.  و يزيد حجم هذا الرقم عند نهاية السنة ليوازي تحويلات مغاربة العالم.

و يظل الرقم الذي يدخل الفرح على المواطن مباشرة أو  عبر آثاره  على سعر صرف الدرهم أو القدرة على الاستيراد هو ذلك التطور المستمر لتحويلات المواطنين المغاربة. اقترب حجم هذه التحويلات  إلى 57 مليار درهم عند متم شهر يونيو.  و إذا  ما أستمر هذا المنحى التصاعدي، فستصل  التحويلات إلى سقف قد  يتجاوز 110 مليار دولار.  يجب أن تتم قراءة هذا الرقم بكثير من الوعي. مغاربة العالم يدعمون استقرار سعر صرف الدرهم.  و يساهمون في  تغطية عجز الميزان التجاري.  و الأكثر من  هذا  يخففون من عجز الميزان الجاري لميزان الاداءات.  و يشكل مستوى هذا العجز مؤشرا أساسيا في قراءة كل المؤسسات الدولية لتوازناتنا المالية و الإقتصادية. 

وجب التأكيد على أهمية الحكامة السياسية. نعيش كمغاربة في ما يشبه حالة شرود أمام ما نعيشه من غثيان أمام لعبة سياسية لا علم لنا بمن صنع ” أبطالها “. يستمر سلوك،  الكثير منا، محايدا أمام  ما يقع و بكثير من الغباء و الاستسلام.  ينبهر بعضنا بخطابات  بطولية من أجل  نقل تلفزي، ينعته بعض  الغلاة،  بالمشبوه. و يتم تمرير القوانين  التي ينعتها البعض بالمعادية لحقوق الإنسان.  و ينعتها البعض بالمعادية  ” للأخلاق ” ، و يشكك  الكثيرون في دورها المعادي لفضح  الفساد  المستشري في بلادنا.  و يتم  تغييب الحس النقدي الإيجابي بفعل جبروت كائنات صغيرة مشبوهة الجدور  و المرامي.

من حقنا أن  نفرح داخل مؤسسات بلادنا. و هذا الحق المشروع  و المكون لكل مكونات هويتنا  يجب أن يظل صلبا مهما ظهرت أنياب المتكالبين على المواطنين،   بفعل فاعل سيختفي لأنه  يفتقد إلى الجرأة  و الجذور. قد يرقصون  و يداعبون نزوات ضعفهم،  لكنهم سيظلون مجرد جراد مسافر   يقضي عليه الملح لسلبه مما اقتاته في زمن الجفاف. 

الوطن يدوم  و يذوب حبا في من يبادله حبا بحب. انتفض البقالي على قدراته البدنية، خلال المائتي متر الأخيرة من سباق 3000 متر الأخيرة من  سباق  كله حواجز. و يفوز ليرفع علم المغرب.  و ننتظر من كل رجال الأعمال  أن يرفعوا درجة نمو بلادهم لتصل إلى مرحلة المرور إلى الاقتصادات الصاعدة.  و يتطلب هذا الإنتقال كثيرا من الصمود من أجل القضاء على الريع  و غياب المنافسة  و الرشوة  و ربط السياسة بالتجارة  و عدم مخاصمة العلم  و البحث  و التقيد بقواعد دولة الحق و القانون. و  يتطلب الأمر  كذلك فضح من يدخلون السباق في مراحله الأخيرة لكي يظهروا إلى  جانب البطل.  يظهرون بلباس انتساب مغشوش إلى ماض يساري  و قلبهم مسلوب بحكم تضخم حسابات بنكية  و عقارات.  و يستمر سعارهم من أجل حماية مصادر الاغتناء غير المشروع  و سد كل السبل لفضح من يخون شعبا  و وطنا. لكن حامي البلاد  لهؤلاء بالمرصاد.