عبد الله بنان
ونحن نتأمل نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021، فالجهة الرابحة واضحة، لا تخرج عن أحزاب الطبقة السائدة، وان اختلفت الألوان والشعارات، لكنها مناصرة لمن يأكل رغيف الفقراء. ولولا دعم الرأسمال وسلطته القاهرة لما حصدت على ما يقارب ثلثي مجلس النواب. أما الثلث الباقي فهو موزع على أحزاب الوسط واليسار التقليدي.
أما اليسار الديمقراطي الجدري (الحزب الاشتراكي الموحد + فدراية تحالف اليسار التي تضم أربع مكونات) لا يمثل الا 2 على 395، يعني حوالي 5 في الألف، أو بتعبير آخر، نصف نائب برلماني في المائة. أما ان وزعنا هذه النسبة على طرفي اليسار الديمقراطي الجدري فسنجد ربع نائب برلماني في المائة لكل واحد منهم. انه مخجل حقا إذا وضعنا هذه النسبة في سياق ما كان يروجه البعض منهم في أيام التحضير لهذه الانتخابات. فغبار تصريحاته المصاحبة لعملية تخريب واتلاف آليات العمل الوحدوي أكملت ما تبقى من أمل في نهوض هذا اليسار. فكانت جعجعته بطعم الانشقاق حيث لم تسمن ولم تغني سلة النتائج النهائية في مساء 8 شتنبر 2021. فالحصاد يساوي ربع برلماني في المائة للحزب الاشتراكي الموحد، وحوالي ربع برلماني في المائة لفدرالية تحالف اليسار التي تضم أربع مكونات. في ظل واقع بئيس حيث كان الغرور سيد المكان، فكيف سيتم توحيد هذا اليسار الذي ينعت بالديمقراطي الجدري خطأ؟ فإعادة البناء تقتضي التخلص من المغرورين والأنانيين والاقصائيين المتشبعين بقيم لا تنتمي الى سجل قيم اليسار الكونية.
ونحن نتأمل تصريحات هذا وذاك من مسؤولي اليسار الجدري، وهو موضوع هذه الورقة، حول نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021، لم نجد في كلمات مفتاح (Mots clés) تصريحاتهم أو بيانات هيآتهم التنفيذية كلمة تشير الى الذات الحزبية في تقييم لفعلها خلال سيرورة التحضير للعملية الانتخابية الى غاية الاعلان عن النتائج المخجلة المحصل عليها وطنيا، وجهويا ومحليا.
ونحن نتأمل في مشهد قل نظيره، يجمع تجارب سياسية مختلفة من تنظيمات اليسار الديمقراطي الجدري. كل طرف له مسار وتكوين خاص لا يشبه الآخر. بل القاسم المشترك لا يبتعد عن فعل “انشق”، قام به أو وقع عليه أو كان ضحيته هذا التنظيم أو ذاك …. في ظل واقع غريب الأطوار، كيف سيتم توحيد المنشقين مع آخرين وعلى أي قاعدة؟ فإعادة البناء ستكون مكلفة جدا، جهدا وزمنا.
إن دروس التجربة العينية في مجال الاندماج والتحالف بين مكونات اليسار الجدري في عقدين من الزمن تفيد أن جيلا من القيادات انتهى أمره نظرا للنتائج الهزيلة للأهداف المسطرة والمكررة خلال هذه المدة. فالخلود الى الراحة صار ضرورة وواجبة لتتبوأ الأجيال الجديدة مكانتها في حمل مشعل يسار الألفية الثالثة بمضامين سياسية وثقافية وآليات جديدة تواكب العصر متفاعلة مع التغيير العميق الذي عرفه المجتمع المغربي والعالم.
في انتظار ذلك، اليكم بعض من الأسئلة التي تشغل بالنا ونحن نتأمل هذا المصاب الجلل الذي حصل لليسار “الديمقراطي الجدري”:
السؤال الاشكالي رقم 1: كيف لتيارات سياسية خرجت من تنظيمات سياسية لأسباب متعددة لا داعي لذكرها، لم تستطع أن تصير قوة سياسية مؤثرة في الساحة المغربية رغم مرور فترة زمنية معتبرة من العمل الحزبي؟ أهل تحاصر نفسها في المكان الذي اختارته وعن طواعية من خلال اعادة انتاج تصوراتها وبرامجها وهي تدور في حلقة مفرغة تستهلك نفسها؟
السؤال الاشكالي رقم 2: فنظرا لضعف هذه التنظيمات كميا ونوعيا، ونظرا لتقاربها الايديولوجي والسياسي كما تعتقد، فقد عملت على توحيد جهودها ودخولها للمنافسة الانتخابية، سواء على مقاعد الجماعات المحلية والجهوية، أو سواء على مقاعد مجلس النواب، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال، فلماذا وما السر في ذلك؟ أهل المشكل في بنية كل تنظيم وقدرتها على التفاعل الناجع مع التنظيمات الحليفة الأخرى؟ أهل المسألة في المنتسبين لكل تنظيم وقواعد العمل الحزبي التي لم تكن مساعدة لإتمام المهام على أحسن وجه في تفاعلها مع التنظيمات الحليفة؟ أهل العائق في التكوين الأيديولوجي والسياسي والتواصلي لكل تنظيم؟ أهل الخلل في الرؤية والبرنامج، في ترتيب الأولويات، في الخطاب الموجه الى الخصوم، إلى الناس أجمعين؟
السؤال الاشكالي رقم 3: هناك من تعود على الصراع طيلة حياته كان فردا أو جماعة، لا يحسن بناء الا العلاقات المتوترة مع الرفيق والحليف.. فهل القضية في طبيعة التربية الحزبية المبنية على الصدام كلازمة أو في ثقافة الانشقاق المتأصلة في القاع الفكري وفي السلوك / الممارسة؟ هل المسألة في كيفية إدارة الصراع مع الخصوم؟ذ
السؤال الاشكالي رقم 4: هل المشكل في الناس، في الشعب؟ هل المشكل في صعوبة اختراق النظام التنافسي للانتخابات؟ هل المشكل في قواعد اللعب؟
هذه بعض من أسئلة تؤرق صاحبها، أتمنى أن نتفاعل مع هذه الاشكالات بذكاء، والعمل من أجل ايجاد مداخل لإجابات شافية أو أسئلة اضافية تنير الدرب، ليتلمس الرفيق والحليف، طريقا سالكا لإعادة بناء يسار جديد للألفية الثالثة كفكرة، كمشروع، وكتنظيم جماهيري، بعيدا عن الأنا المفرط وبعدي الطوفان.