أطلقت فعاليات مدنية ديمقراطية ،نداء للتوقيع، للتعبير عن ضرورة القيام بتغييرات دنيا ضرورية، طالب بها عدد من الديموقراطيين وقوى التغيير ، وتفرضها أكثر الظرفية التي أظهرت بقوة الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، لانقاد البلاد ووضعها على سكة مسار آخر والاحتراز لما قد ياتي من ازمات.
جاء فيه :
بعدما تم الإقرار رسميا بفشل نموذج التنمية المتبع، جاءت جائحة كوفيد -19 لتعري أكثر واقع الاختلالات العميقة والفوارق الاجتماعية والجهوية المقلقة، والهشاشة التي تعاني منها أغلبية سكان البلاد، خاصة النساء.
فإذا كان المغرب قد حقق بعض الإنجازات الاقتصادية والمشاريع الكبرى، إلا أنه لم يتمكن من تقديم حل للنواقص البنيوية لمجتمعنا، لاسيما البطالة المستدامة الكثيفة بما يفوق 40 % من شباب المدن و ضعف اشتغال المرأة (22%)،و الأمية بحوالي ثلث الساكنة و الهدر المدرسي بحوالي 300.000 سنويا و الفوارق الاجتماعية المهولة (الرهيبة) و المتفاقمة، ونزيف الأدمغة، وتفشي الفساد … . لذلك، بلغت التحديات التي على المغرب مواجهتها حجما أصبح يضفي الهشاشة على “مكتسباته”، خاصة أن الأزمة الصحية كشفت مدى هول الهشاشة الاجتماعية التي تطال عشرين مليون مواطن، مما يهدد استقراره الاجتماعي، الذي لن يقدر على الحفاظ عليه وتعزيزه، بدون مقاربة شاملة ومُدمِجة وتوزيع عادل لثمرات هذا النمو، التي هي أساس التماسك الاجتماعي المستدام.
و على الصعيد الاقتصادي، فإن نسبة النمو متواضعة، لا تتجاوز %4 و العجز التجاري فاق 150 مليار درهم، و الدين العمومي قارب التريليون، و مصلحة هذا الدين حوالي 100 مليار، علما أن البلاد لم تستطع توفير أمنها الغذائي و لا الدوائي و لا الطاقي، كل ذلك نتيجة لسياسة الانفتاح، التي نهجهتا الدولة ، غالبا بمسايرة توصيات الهيآت المالية الدولية، مع انصراف الدولة من حلبة الاقتصاد وتصفية القطاع العام والقطاعات الاجتماعية و تحرير الواردات و إبرام اتفاقيات التبادل الحر ذات نتائج غير متكافئة.
وعلى المستوى الاجتماعي، فإن التعليم يوجد في وضع كارثي بالإجهاز على المدرسة العمومية، وهزالة الوضع التعليمي القروي، وغياب البيداغوجية الناجعة والتربية على الحياة، كما أن قطاع الصحة يعاني من تدهور خطير لأوضاع وخدمات المستشفيات العمومية، ومعاناة المواطنين من سوء تدبيرها وتفشي الرشوة فيها ، وإن السكن اللائق غير متوفر لفئات اجتماعية واسعة كما سيتبدى ذلك مع الحجر إبان الأزمة الصحية.
و مع حلول الوباء، ورغم هذه الظروف الاقتصادية و الاجتماعية البنيوية، فإن الدولة عموما قد دبرت أمور الأزمة الصحية بسياسة إيجابية، فسنت تدابير الحجر والطوارئ الصحية وتعبئة المؤسسات والأٔطر الطبية لمكافحة الجائحة،و إطلاق عملية الدراسة عن بعد، وتشجيع العمل عن بعد وإنشاء “لجنة اليقظة الاقتصادية” التي سنت إجراءات دعم الفئات التي فقدت عملها و مورد رزقها و إجراءات جبائية ومالية لتخفيف الضغط على المقاولة التي وجدت نفسها بغتة مرغمة على توقيف أنشطتها بحكم الجائحة، بالإضافة إلى إنشاء صندوق التضامن لمواجهة الوباء والذي جمع حوالي 35 مليار درهم.
و بغض النظر عن بعض الاختلالات التي شابت التنفيذ، فإن الطابع العام هو المواجهة الإيجابية، علاوة على القرار الحازم الذي اتخذ بخصوص استعمال الكلوروكين رغم الجدال العالمي الذي رافق هذا الموضوع، مما جنب البلاد العديد من الوفيات. كل ذلك خلق جوا ايجابيا من الثقة بين المجتمع والدولة، (خلافا لما سبق)، فساعد هذا الأمر على إطلاق دينامية اجتماعية وطنية للتضامن غير مسبوقة.
و بالفعل، فإن هذا الوباء الذي لا يستطيع أحد التنبؤ بمجرياته و المصير الذي يضمره للعالم وللمغرب، علاوة على المخاطر المحدقة بالعالم بحكم التوترات المختلفة، كل ذلك يفرض الحذر واستمرار التعبئة و التضامن والاحتراز في درجاته القصوى،.
في هذا الإطار فإن الموقعين على هذا النداء، يعتبرون أن هذه الظرفية فرصة تاريخية لاستثمار هذه المكتسبات من أجل إطلاق دينامية شاملة للتغيير، تكون مقدمتها اعتماد “ميثاق اجتماعي” ، من شأنه إعادة الثقة بين المجتمع والدولة وتحقيق التعبئة المجتمعية المتآزرة (الدولة ، والأحزاب السياسية ، والنقابات ، ورجال الأعمال ، والجمعيات ذات تمثيلية، ومجموع المواطنين…) ، وإصلاح سياسي ومؤسساتي عميق (من أجل إرساء دولة الحق والقانون بشكل فعال ، والفصل الحقيقي للسلطات ، والحكامة الديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية ، والمحاسبة…)، والقطع مع الريع والفساد والإفلات من العقاب والتداخل بين السلطة السياسية والحقل الاقتصادي.
في هذا الإطار، فإننا نحن الموقعين على هذا النداء، نرى الأهمية البالغة لإعادة انخراط الدولة (بعد إصلاحها ) في الاقتصاد، كفاعل إستراتيجي ومطوّر له، وبناء القطاع العام وتأهيل المدرسة العمومية و الصحة العمومية وإطلاق برامج السكن الاجتماعي للطبقات الفقيرة، وإعمال إصلاح ضريبي عادل، ومحاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتطوير وتأهيل العالم القروي. وسن المخطط التنموي الوطني المندمج وضمنه تطوير القطاعات المنتجة للجواب على حاجيات المجتمع والاقتصاد الأساسية، ، و مراجعة سياسة الانفتاح وتأثير الهيآت النقدية العالمية، ونهج التحالفات و سياسات التعاون مع البلدان الشقيقة والصديقة، المغاربية والإفريقية والعالمية، لدعم هذه التوجهات التنموية و السيادية، ودرءا للمخاطر المحدقة.
وفي نفس الإطار العام، ومن أجل المزيد من تقوية الجبهة الداخلية، فإننا نحن الموقعين على هذا النداء، نتمنى من صميم قناعتنا و اعتبارا للمصلحة العليا للبلاد، أن تتم التفاتة ملكية لإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والصحافيين الذين أدينوا على خلفية آرائهم، وحتى ينعم جميع بنات وأبناء هذا الوطن بجهود التنمية المأمولة، في ظل سياسة اجتماعية مسنودة لإرادة قوية، تغذي عزائم الجميع للانخراط الواعي و المسؤول لبناء مستقبل مغربي تحتل فيه بلادنا مكانة مرموقة بين الأمم.