آخر الأخبار

“نـوبـل” وحـسابات مـا بـعـد الوصية

سـعـد سـرحـان

مع مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر من كلّ سنة، يرى الكثير من الكتّاب والعلماء، فيما يرى الحالم، الشيخَ ألفريد نوبل وهو يربّت على أكتافهم باسماً. حُلمهم هذا، وأحلام قرّائهم ومن يقدِّرون مجهوداتهم، ينتقل بسرعة المطبعة إلى صفحات الجرائد، وبسرعة النِّت إلى المواقع الإلكترونية، كتخمينات لا تتعدّى فيها نسب اليقين سوى نسب الأوهام.
العرب وجيرانهم، أحفاد قس بن ساعدة وغيره من حُواة البيان، لا يتطلّعون في هذا الشهر الكريم بجوائزه إلى غير جائزة الآداب. لكأنّ أحفاد الرازي وابن سينا وابن النفيس وغيرهم من مؤسّسي العلوم قدّموا استقالتهم من الكيمياء والطّب وخلافهما ممّا ينفع الناس. وحتى حين يُبدي أحد هؤلاء نجابة لا تضاهى، ونقصد أحمد زويل طبعاً، فإنّ فضل الغرب يجعل اعتزازنا ناقصاً. علاقتنا بالغرب، نحن العرب، مشوبة بكثير من عدم الثقة. لذلك فنظريّة المؤامرة تطلُّ برأسها كلّما اقترب موعد الجائزة. فحتى حين فاز بها نجيب محفوظ، لم نعدم من بني جلدته من يغمز من قناة غير قناة الجدارة والاستحقاق.
علينا أن ننتظر كلمة التّاريخ، فهو أصدق أعضاء كل لجان التّحكيم
لا وجود لجائزة تتمتّع بالنّزاهة الكافيّة لإرضاء وإفحام الجميع. لذلك، علينا دائما أن ننتظر كلمة التّاريخ، فهو أكبر أعضاء كل لجان التّحكيم وأصدقهم. ومع أنّه لا ينطق إلّا بعد فوات الأوان (أيّ أوان؟)، فإنّ كلمته لا تفقد صداها أبداً. وهو الصّدى الذي سيظلّ يردّد (أم يندّد؟): من هو الفرنسي سولي برودوم الذي حاز الجائزة بدل تولستوي؟ ومن هو الأميركي أوجين أونيل الذي حازها بدل سيغموند فرويد الذي اعتبره أحد أعضاء اللجنة مريضاً أكثر من مرضاه؟ ثم من يكون هذا الألفريد نوبل الذي لم ينل بورخيس جائزته للآداب؟
ولنا نحن أيضاً أن نتساءل: هل تنقذ الجائزة، أيّاً كانت، الحائزَ عليها من خمول الذكر؟ وهل خلّدت جائزة نوبل ذكر أحدٍ بقدر ما خلّدت اسم صاحبها؟ فبسببها يتردّد اسمه ملايير المرّات سنويّاً، أي أكثر بكثير من الدّيناميت نفسه، خصوصاً بعد أن صار له مكان وديع وسط ترسانة المتفجرات الرّهيبة.
هل خلّدت جائزة نوبل ذكر أحدٍ بقدر ما خلّدت اسم صاحبها؟
ثمّة مؤاخذات كثيرة يتذكّرها المهتمّون بالجائزة مرّة كل سنة. فالكثير ممّن يستحقّونها أخطأت الطّريق إليهم. ويكفي أن نذكر أنّ عميد الأدب العربي قد رحل دونها. أمّا المجالات الأخرى، فعلينا أن نعترف بأنّ مجهوداتنا فيها لم ترق إلى المستوى المطلوب. ففي الاقتصاد مثلاً، حاز الجائزة علماء من أغنى الدول كما حازها محمد يونس من بنغلاديش، فيما لم يحلم بها أحد في البلاد العربية التي تراوح دولها بين منتهى الفقر ومطلق الغنى. وإذا كانت جائزة السّلام قد عادت مرة إلى السّادات وأخرى إلى عرفات، فدخل الاثنان كتاب التاريخ بغير قليل من الرّصاص والسّم في الجسد، فإنّ السّلام غير المرغوب فيه بين إيران والعراق لم يُكَلّل بجائزة.
لا يخلو أمر “جائزة نوبل” من حسابات، وهي الحسابات التي ابتدأت مع كتابة الوصيّة، وصيّة نوبل التي استبعدت الرياضيّات حتى لا يحصل عليها غوستا ميتاغ لوفلير، عالم الرياضيّات السّويدي المرموق. لقد كان بين الرّجلين عداء مستحكم، ليس فقط لأن غوستا كان مقرّباً من الملكة، وإنّما لأنه فاز، كما يتردّد، بقلب المرأة التي أحب ألفريد. فهل بعد كلّ هكذا ذاتيّة من صاحب الوصيّة، نطلب الموضوعيّة من منفذيها؟ أَوَلَمْ تكن جائرة قبل أن تصبح جائزة؟