إن الزحف العمراني الوحشي غير المدروس الناتج عن تزايد البناء العشوائي وازدياد الطلب على السكن بوتيرة سريعة بمنطقة حوض أوريكة خلال العقود الأخيرة قد نجح في تضييع هوية هذه المنطقة الطبيعية الخلابة وهتك المساحات الخضراء، واصبح يؤثر بشكل سلبي على الأراضي الزراعية، حيث أن مساحتها اصبحت تقل بشكل كبير سنة بعد سنة، وقد نتج عن هذا النمو العمراني السريع ألاف الاطنان من الأزبال ومخلفات البناء التي تلقى يوميا على ضفاف ” نهر أوريكة ” العريق وعلى مقربة من السوق الأسبوعي .
تختلف هذه الأزبال والمخلفات من موقع بناء أو هدم إلى اخر حسب نوع المشروع الذي تأتي منه، فعلى سبيل المثال تحتوي الانقاض الناتجة عن الابنية القديمة علي مادة الجبص والانابيب الرصاصية بينما تحتوي انقاض الابنية الحديثة علي كمية كبيرة من البلاستيك وصفائح جبصية، وتشكل هذه المخلفات الضخمة عبئا علي البيئة وتستغرق الاف السنين لتتحلل او تندمج مع التربة ولكن بعد ان تكون قد خلفت كوارث بيئية مضرة بصحة الاشجار والنبات والحيوان والانسان، إن وجود هذه المواد في هذا المجال الطبيعي يعني تلوث جميع مصادر المياه، وتؤثر بشكل مباشر على المنتوجات الفلاحية في الحقول المتواجدة على طول ضفاف نهر أوريكة والتي تعتمد في السقي على مياه هذا النهر .
إن التخلص من هذه الأزبال والاتربة المشبعة بالبلاستيك والإسمنت والجير والجبص تتجلى أساسا في إتلاف التربة وتدهور جودتها وغطائها النباتي وتدمير الأغراس والنباتات بفعل السموم المتسربة من هذه المواد ، وتلويث الفرشة المائية ومجاري المياه كما تقضي على الكائنات الحية المائية وتضعف الصبيب المائي للنهر وتخنق قنوات الري نتيجة الخسائر التي تلحقها هذه التراكمات وأثرها على تدمير تجهيزات السقي بالإضافة الى تأثير هذه المخلفات البيئي وتشويهها للمنظر الطبيعي فإن هذه المخلفات تتسبب في عرقلة حركة التنمية وتخلف منظرا غير حضاري .
إن حماية ما حبا الله به منطقة حوض أوريكة من طبيعة خلابة ومنها نهرها العضيم والعريق الخالد يجب ان تكون جزءا لا يتجزأ من استراتيجية عمل المجالس الجماعية المتوجدة بهذه المنطقة، كما يجب ان يكون من أولوياتها بالاضافة نظافة الشوارع والميادين العامة الحفاظ على البيئة المحلية من أي مخلفات، والعمل على توعية السكان بأهمية البيئة في حياتهم وكيفية المحافظة عليها، و وضع لوحات وحواجز تنبه الى عدم إلقاء المخلفات إلا في الأماكن التي حددها المجلس، وعلى السلطات المحلية المسؤولة الاولى على كارثة واد اوريكة ان تقوم بواجب المراقبة والزجر.
وكما يجب على جمعيات المجتمع المدني خصوصا منها المهتمة بالبيئة مراسلة السلطات المحلية لتذكيرها بضرورة تفعيل القوانين والمساطير الجاري بها العمل لمراقبة وزجر المخالفين وخصوصا جدا تفعيل مضمون الظهير الشريف رقم 153-06-1 الصادر في 22 نونبر 2006 بتنفيذ القـانون رقم 00.28 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها ( الصادر بالجريدة الرسمية . عدد 5480 بتاريخ 7 دجنبر 2006( الذي يهدف إلى وقاية صحة الإنسان والوحيش والنبات والمياه والهواء والتربة والأنظمة البيئية والمواقع والمناظر الطبيعية والبيئة بصفة عامة من الآثار الضارة للنفايات وحمايتها منها. والذي تنص المادة الأولى من بابه الأول من القسم الأول على ما يلي :
– الوقاية من أضرار النفايات وتقليص إنتاجها ؛ وتدخل في حكمها طبعا كما جاء في المادة 2 من هذا القانون ” النفايات الناجمة عن استغلال المقالع والمناجم وعن أشغال الهدم أو البناء أو التجديد وكل العناصر الأخرى التي تتولد عنها آثار ضارة. – إخبار العموم بالآثار المضرة للنفايات على الصحة العمومية وعلى البيئة وبالتدابير الهادفة إلى الوقاية من آثارها المؤذية أو معاوضتها، وضع نظام للمراقبة وزجر المخالفات المرتكبة في هذا المجال.
ولكن المشكل لا يكمن فى وجود القانون بل اننا نتوفر على ترسانة كبيرة من القوانين ، مشكلة أوريكة أن ملفاتها تحتاج الى متابعة أدق من قبل الجهات المعنية واعني بها بالدرجة الأولى المجلس الجماعي ثم السلطات المحلية التي تملك القوة القانونية والفعلية للمراقبة والتتبع والتنفيذ للتأكد من هذه المخلفات، وإلى ان يقيض الله لهذه المنطقة الجميلة مسؤولين يستشعرون جسامة المسؤولية وخطورتها، سيبقى نهر أوريكة يئن تحت اوجاع هذه النفايات، وستبقى البيئة بأوريكة مستباحة كما استبيح تراثها التاريخي وفي مقدمته بنيات قديمة تاريخية تشهد على تاريخ أوريكة العريق والتي تم هدمها وتحويلها الى بنايات إسمنتية، والمعتدون بلطجية معروفون طاوعتهم أنفسهم على اقتلاع أثر أوريكة ومحو ذاكرتها، وتحويلها الى بقع لبناء الدور ووالشقق رغم انهم مؤتمنون على مصالح هذه المنطقة، وهذا الملف سنعود إليه بتفصيل فيما سيأتي من الايام .
كان يمكن لوخلصت النيات اعتبار ضفاف نهر أوريكة متنفسا رئيسيا لساكنة منطقة حوض اوريكة ومحطة اقبال الساكنة بمختلف شرائحها وفئاتها واعمارها، وكان يمكن ان يصبح مرفقا بفضل موقعه الاستراتيجي حيث انه يقع وسط المنطقة، وليس ذلك بالامر الصعب ولا تنقص الأفكار، لكن ما ينقص هي الأرادة الخالصة والغيرة الصادقة للحفاظ على هذه المعالم الطبيعية التي لاولها لما كانت أوريكة، وأقل ما يمكن القيام به الحفاظ على النهر على حالته ليبقى كما كان عبر العصور مسبحا طبيعيا للصغار والكبار خصوصا في فصل الصيف في غياب فضاءات ترفيهية بديلة ،وذلك أضعف الإيمان .
ولقد عبر لي بعض أبناء منطقة في تصريحاتهم عن إستنكرهم الشديد حول هذه الظاهرة، أمام صمت السلطات وحيادها السلبي وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن مآل التقارير اليومية التي تنجزها السلطات حول الوضع البيئي والصحي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمنطقة .