إدريس المغلشي
الاتفاقات التي تجري بين الادارة والنقابات عادة لاتخرج عن السياق العام الذي يحكمها. وكل رفض ومواجهة أوتأييد ومساندة لايمكن ان ينفي الآخر.للتطرق لتداعيات هذا الاتفاق واثره على الساحة التعليمية نحتاج اولا الى رصد المحيط والبيئة التي افرزته. عدة مؤشرات تظهر امامنا حين نريدوضع هذا المنجز على طاولة التشريح. من اجل الوقوف على نقط قوته وضعفه وكيف نستطيع ان نجعل منه انطلاقة فعلية للحوار الإيجابي المفيد نحو افاق جديدة واعدة وليس بلوكاج يعيق السيرورة ويفرز سنوات من الضياع مادمنا قد عاينا عقدين من البلوكاج وغياب الانتاج . في ظل استمرارية الاحتقان وعدم التخفيف من حدته وهو امر عادي مادامت اتفاقاتنا في مساراتها السابقة لم تستطع الجواب على كل الأسئلة بشكل نهائي وحاسم. من حقنا طرح سؤال مهم تفرضه الحالة : ألم يكن بالإستطاعة والإمكان تحقيق أكثر مما حصلنا عليه ؟
الجواب : لا .
لماذا ؟
لأن ماهو بين أيدينا يعتبر خلاصة لمعطيات لايمكن بالضرورة انكارها او تغييبها عن النقاش في ظل تردي سياسي ملحوظ ،قادر على مساندة نضالات الساحةلترجمتها الى اجراءات عملية تخفف من الاحتقان وتساهم في تأمين إصلاح مرتقب .غياب تأطير واعي ومسؤول وافتقاد الساحة لعنصر أساسي متجسدا في الثقة. وعدم انسجام مكونات المنظومة نحو وحدة المشروع بعيدا عن التجزيء والتفتيت واللعب على تغليب الفئات على المؤسسة وصراع ترتيب الملفات والأولويات ووجود معادلة صعبة التحقق طرفي صراعهادرجة مظلومية الملف في مواجهة وانعكاس حضورها في النضال. مع سؤال مهم .الى أي معيار نحتكم من أجل الحسم ؟
كلها عوامل ساهمت بشكل أو بآخر في جدلية ما نعيشه الآن من نتائج .هذه المعطيات لا أظن انها غابت عن النقابات .بل تستحضرها عند صياغة مشاريع اتفاقات مع ترتيب الأولويات دون تفضيل طرف عن طرف.ويبقى في الأخير هذا المجهود في المحصلة النهائية بشريا قد تعترض ثناياه نقائص واعطاب الأساسي في الموضوع ان الاتفاق الإطار حصل وخرج إلى الوجود.هناك من ذهب لكونه غير كافي وآخر وصفه بالغامض وغير مفهوم وهو امر طبيعي يدفع لطرح فرضية عدم الحسم كما يتيح فسحةاجتهادفي بلورةمقاربةتجويدية تستدرك تلك النقائص.
الاتفاق هو نتاجنا الخالص ومجهودنا المتفرد وبضاعتنا التي ردت إلينا ولم نستوردها من الخارج ولم تكن دخيلة علينا لنقول ان غريباما اصطنعها ليزج بها في سيرتنا الذاتية.نحن من صنع فقراتها وجيناتها الأصلية. بأيدينا لا بأيدي غيرنا دون استثناء ومن يتنكر لها فهو واهم وخارج أحداث هذه المعركة ولن يكون فاعلا فيها.لأننا نحن جميعا من صنع هذا الاتفاق. لانقبل في المعادلة دور المتفرج فكثيرون منا يتقنون هذا الدور بل يزيدون عليه حلقات من النقذ والتحليل والتهليل والتهويل .الفاعلون الحقيقيون طبعا هم كل من ناضل في الساحة دفاعا عن حق ضاع لسنوات من عمره دون ان ينتظر المقابل . ومن فارق الحياة على اسفلت ساحة النضال دفاعا عن القابعين في ادراج الملاحظة والمكتفين بالتتبع.وهناك من اعتقل ويحاكم الان بمنطق لاصوت يعلوفوق صوت قرار وحكومة ضعيفة لكنها متغلبة . تسعى لإخماد أصوات مزعجة لكي لا تفضح التواطؤ وتعري اختلالات بنيوية مست نبل الدفاع عن قضايانا المصيرية بعيدا عن ابواق الدعاية والنفخ في شعارات فارغة لاتقدم ولاتؤخر . وهناك من أدى الفاتورة من جيبه دون ان يتردد لحظة او يجبن مادام هناك امل في غد مشرق. فضحى بأجرته وقوت يومه بعدما اقتطع من راتبه بفعل قرار جائر طبق غصبامن ساسة انتهازيين لتكبيل نضالات الشغيلة والحد من ممارستها للإضراب والاحتجاج كفعل نضالي راقي وكحق دستوري تكفله المواثيق الدولية.
لا أحد يملك الحقيقة المطلقة .ولن نترك المساحة لمن يلعن الظلام بسوداوية تنسف ماتبقى لدينا من فسحة نضال .بقدر ما نأمل ان نجد من يوقد شمعة او فتيلة تضيء ماحولنا من العتمة والفراغ. لكل منا الحق في تحليل مخرجات اتفاق 14 ينايرمن وجهة نظره بل من زاويته الضيقة ومصلحته الخاصة لكن ليس من حق احدأن يصادرحقوق الاخرين ويصادرها في التعبير ليمارس عليهم الوصاية في التحليل والتعليق. التفاعل الايجابي في الاراء والتدافع نحو تجويد المنتج بل وانتقاذه بكل موضوعية امر محمود .الامر سهل حين يتعلق بملاحظات وارتسامات وانطباعات لكن الإشكال الذي تعيشه الساحة وهو امرضروري التفكير فيه . صناعة البدائل التي ستبقى حاضرة وقتما اردنا تفنيد معطيات أو استبدالها بنوع من الابداع الذي يزاوج بين عملية جبر الضرر المتجلي في الاعتراف بالآخر الذي له السبق وفتح آفاق جديدة وواعدة للأجيال القادمة تحت اشراف مؤسسات نقابية .فالمرحلة الراهنة لاتقبل القسمة على اثنين من ينجز على طاولة الحوار ويتحمل مسؤوليته التاريخية في تسجيل مواقف جريئة سيذكرها التاريخ لامحالة و من يخون الجميع خارج الاجماع الوطني بعقلية الإستهداف .