إدريس الأندلسي
تم هذا اليوم تنظيم حفل صغير لتوديع السيد الجيلالي كنزي، مفتش عام المالية ببلادنا . حضرت وزيرة الاقتصاد و المالية السيدة نادية العلوي رفقة الوزير المنتدب فوزي لقجع إبن المفتشية العامة بجانب بعض المديرين المركزيين و تمنوا للمحتفى به تقاعدا هادءا.
كان حفلا بسيطا يعكس بساطة ما تعيشه هذه المؤسسة من عدم إهتمام بعد أن كانت في قمة الهرم الرقابي ببلادنا. و للتذكير فقد كانت المفتشية العامة من الإبداعات المؤسساتية الأولى التي رافقت بناء مؤسساتيا المالية الذي بدأ يوم 14 أبريل 1960. في هذه السنة أوقف المغرب تعامله بنقد غير الدرهم المغربي. و كانت الطلائع الأولى للمفتشين تضم خيرة خريجي كلية الحقوق من قانونيين و اقتصاديين. و مر الزمن سريعا و أصبحت معه المفتشية العامة للمالية مشتلا للاطر . أعطت كثيرا من الوزراء و المديرين العامين و العمال و السفراء و رؤساء الأبناء و ومؤسسات التأمين .
يكفي أن أذكر أن المفتشية العامة للمالية أعطت وزيري داخلية هما الميداوي و المرحوم مصطفى الساهل. و كانت هي الأساس لبناء اللجنة الوطنية للحسابات التي أصبحت فيما بعد مجلسا أعلى للحسابات. أما الوزراء الذين تلقوا تكوينهم في المفتشية العامة فهم كثر. و قد كان من بينهم المرحوم المظلوم عثمان السليماني، اب ليلى السليماني صاحبة جائزة الكونكور الفرنسية، و المرحوم عبد الفتاح بن منصور و العلوي المدغري الذي شغل لوقت كبير منصب مدير الضرائب و الكروج و الوزيرة لطيفة العابدة و غيرهم. كما أعطت هذه المفتشية اطرا كبرى لصندوق النقد الدولى كمحمد الدايري و عبدا لعالي الجبيلي و التازي موخة. و ترأس أحد أكبر اطرها المصرف العربي للتنمية الإقتصادية في افريقيا و هو مولاي أحمد الحارثي الوردي لمدة زادت على عشر سنوات. و ترأس أحد اطرها كذلك اللجنة النقدية لأفريقيا و هو السيد اللعبي. أما ميدان التأمينات و الأبناء فلا زال يشهد بكفاءات سعد الكانوني و المرحوم التازي لمزلعك و الرئيس السابق لمجموعة البنك الشعبي السيد نور الدين عماري الذي ترك أكبر الأثر في تطوير آليات التمويل للاقتصاد. . و لا زالت الأسماء تتزاحم في ذاكرتي في عدة مجالات. ووضع أسس إعادة هيكلة الصندوق المغربي للضمان اثنان من المفتشين هما العربي بلاحة و مصطفى بن جامع رغم ما عاشاه من صعوبات في مواجهة من استفادوا من المال العام في مجال الصيد في أعالي البحار. القائمة طويلة و ضمنها كثير من الشباب و الشابات الذي تشبعوا بثقافة الغيرة على إستعمال المال العام و إرادة حسن تدبيره.
ولكن الأهم هو دور هذه المفتشية في مجال ترقية الأداء المالي ببلادنا. تعلمنا من خلال سنوات تكويننا و ممارستنا أن نظل حريصين على حماية المال العام. و هذه مهمة صعبة و لا تضمن الحماية الكاملة لممتهنها. المهم هو أن شباب المفتشية العامة للمالية كان مقتنعا بتوجيهات من سبقوه. حاولنا كما حاولوا فنجحنا في بعض الأحيان. وواجهتنا صعوبات في كثير من الأحيان. منعنا وزير الداخلية الراحل إدريس البصري من الاقتراب من الجماعات الترابية ضدا على القانون. و بعد ذلك تجاوزناه و اظهرنا تعاونا مثاليا مع المفتشية العامة للإدارة الترابية رغم ضغط التسلسل الإداري و طرق التدبير الذي يفرق بين المؤسستين.
و بعد ذلك و قبله حاول البعض من وزارات و أشخاص تحويل دور المفتشية العامة للمالية من دورها الرقابي و التقييمي إلى أدوار شكلية تبعدها عن الأهداف التي أنشأت من أجلها. حاول البعض و منهم وزراء و حتى مفتشون عامون، لا شخصية لهم، بحصر دور هذه المؤسسة في مكان ضيق جدا. لم يطيقوا توسع دورها و هي التي قامت بدورها و فتحت ملفات الضمان الإجتماعي و البنك المغربي للتنمية الصناعية و مطاحن المغرب و مكتب التكوين المهني و غيرها من الملفات التي لا زالت رائجة أمام المحاكم.
نعم و ألف نعم يجب أن تظل المفتشية العامة للمالية مؤسسة رقابية مستقلة تهدف إلى حماية إستخدام المال العام. لقد عمت خلال السنين الأخيرة ثقافة المراقبة الشكلية و ثقافة تقارير ما يسمى بالأداء و بإخراج مؤشرات النتائج. و كلها لا تضمن فعالية الصرف العام و مواجهة مجرمي المال العام. صحيح أنه يجب تحديد و ضبط مؤشرات نجاعة الأداء تطبيقها على الصرف العام كما نص على ذلك القانون التنظيمي للمالية. هذا القانون مهم و يحتاج إلى تحيين و إصلاح .ولكن الأهم هو محاربة المفسدين من سماسرة الصفقات العمومية و المرتشين. و هذا أضعف الإيمان