خلال القرن 19، حاول كثيرون تحقيق حلم السفر بين القارتين الأمريكية والأوروبية جوا، والتحليق فوق المحيط الأطلسي، وقد ظهرت أولى هذه المحاولات تزامنا مع تطور المناطيد التي اعتمدت حينها على غاز الفحم.
وانطلاقا من ذلك، قاد العديد من المخترعين من أمثال الأمريكي جون وايز، ومواطنه ثاديوس إس سي لوي مغامرات لعبور الأطلسي جوا كللت جميعها بفشل ذريع.
انتظر العالم حلول العام 1919 ليشهد تحقق حلم عبور المحيط الأطلسي جوا خلال رحلة جوية مباشرة، حيث نجح البريطانيان جون ألكوك وآرثر براون في قطع المسافة ما بين القارتين الأميركية والأوروبية خلال ساعات، محققين بذلك إنجازا تاريخيا سبق بنحو عقد من الزمن الرحلة الشهيرة التي قادها الطيار الأميركي تشارلز لندبرغ بحسب العربية.
فيما يعود الفضل قبل ألكوك وبراون، في جعل هذا الإنجاز التاريخي حقيقة، للنبيل الإنجليزي ألفريد تشارلز ويليام هارمسورث الذي امتلك صحيفة “الدايلي ميل” حينها، حيث عرف عن هذا الرجل إعجابه الشديد بالطائرات والنقل الجوي، فكان أحد أبرز مؤسسي نادي الطيران الإنجليزي، واتجه مرات عديدة لتنظيم مسابقات طيران قدّم خلالها جوائز مالية قيّمة لكل من ينجح في رفع التحدي وكسب الرهان المطلوب.
فإضافة لمسابقة عام 1906 التي حدد خلالها جائزة بآلاف الجنيهات لمن يقطع المسافة بين لندن ومانشستر بالمنطاد، وضع هارمسورث رهانا عام 1913 وعد من خلاله بتقديم 10 آلاف جنيه (ما يعادل 450 ألف جنيه في وقتنا الحاضر) لمن ينجح في عبور المحيط الأطلسي وقطع المسافة بين شمال القارة الأميركية وإحدى مناطق بريطانيا أو أيرلندا خلال فترة زمنية لا تتجاوز 72 ساعة.
مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، كانت هذه المهمة شبه مستحيلة. لكن بفضل الحرب العالمية الأولى وتسابق القوى المتحاربة لتطوير طائراتها، عرفت تكنولوجيا الطائرات تقدما تقنيا جعل إمكانية عبور المحيط الأطلسي واردة. وقد حاول كثيرون تحقيق الحلم والفوز بالجائزة إلا أن جميع المحاولات فشلت، ولعل أبرزها تلك التي جرت خلال شهر مايو 1919، حيث عبر فريق تابع لسلاح البحرية البريطاني المحيط الأطلسي في 3 أسابيع، وتوقف مرات عديدة في طريقه فخسر الرهان بسبب عدم تطابق إنجازه مع الشروط المطلوبة.
وخلال الشهر التالي، تسابق فريق من مؤسسة هاندلي بايج مع كل من جون ألكوك وآرثر براون للفوز بالجائزة عقب تحوّلهم رفقة طائراتهم نحو منطقة نيوفندلاند .
وبينما انشغل فريق مؤسسة هاندلي بايج بإجراء اختبارات على طائرتهم، أقلع جون ألكوك ورفيقه براون من أراضي نيوفندلاند يوم يونيو 1919 على متن طائرتهم فيكرز فيمي باتجاه القارة الأوروبية.
على حسب مصادر تلك الفترة، كانت عملية الإقلاع كارثية، حيث أقلعت الطائرة بصعوبة، ومنذ البداية تحطّم جهاز الراديو ليعقد عملية الملاحة الجوية كما جعل الضباب الكثير الرؤية شبه منعدمة. فضلا عن ذلك، واجه الرجلان برودة الطقس داخل قمرة القيادة المكشوفة وكاد ألكوك يفقد السيطرة على الطائرة لأكثر من مرة.
ولمواجهة هذه الظروف الصعبة، تناول الرجلان الشطائر وشربا القهوة والكحول وتبادلا أطراف الحديث حول الطقس السيئ وفرص النجاة.
وفجأة لاحظ الرجلان وجود يابسة تحتهما فهبطا بشكل اضطراري لتتحطم طائرتهما بأحد الحقول الأيرلندية.
في الأثناء، نجا الطيار آرثر والملاح براون من الموت، وحققا إنجازا تاريخيا عبرا من خلاله المحيط الأطلسي جوا دون توقف فقطعا المسافة بين نيوفندلاند وأيرلندا في فترة لم تتجاوز 16 ساعة، وحصلا على المكافأة المالية التي قدمها لهما مسؤول الطيران البريطاني حينها ونستون تشرشل، كما كرّما أيضا من قبل ملك بريطانيا جورج الخامس.