آخر الأخبار

هل أوصى بنزكري بتأسيس حزب ؟؟

هل أوصى بنزكري بتأسيس حزب لتفعيل توصيات هيأته ؟ (دفاعا عن مؤسسة وزير العدل تحصينا للسلطة القضائية )

مصطفى المنوزي .

منذ إصدار الدستور الجديد والقوانين التنظيمية المفعلة لتفاصيل مقتضياته ، لم يعد لمنصب وزير العدل نفس الهالة السياسية والقيمة (السيادية ) والتأثير ، خاصة بعد أن تم تخويل صلاحيات تدبير الشأن القضائي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، تلاه مقتضى سحب منصب رئاسة النيابة العمومية من الوزير وتمكين الوكيل العام لمحكمة النقض منه دون ترك أي عين على السلطة القضائية أي ما يسمى بحق نظر السلطة التنفيذية ( الحكومية طبعا لأن الملك الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية ، من خلال مجلس الوزراء و هو رئيس السلطة القضائية وينتدب عنه الرئيس الأول لمحكمة النقض ) ما يسمى بحق النظر على السياسة القضائية ، فحتى العلاقة مع كتابة الضبط وموظفيها المحلفين والإداربين ، فالعلاقة الوظيفية و المالية واضحة في حين العلاقة العضوية أو الإدارية الرئاسية معهم كإدارة قضائية فهذا لا زال محل شد الحبل بين السلطة القضائية والوزارة ممثلة للحكومة ، بدليل أن رؤساء المحاكم من يدبرون هذه العلاقة وينسقونها فعليا بصفة مؤقتة. وبالتالي لم يبق من سلطة لوزير العدل سوى تدبير شؤون المحاكم لوجستيكيا ( تجهيزا وممتلكات ) . وهو ما دفع وزير العدل الحالي إلى محاولة تمتين العلاقة مع رئاسة النيابة العامة ومجلس السلطة القضائية بنفس القوة والهيبة والسند الدستوري السابق ، وفي هذا السياق حصلت منزلقات كثيرة على رأسها محاولة توريط المؤسستين معا دون الإكتراث للنضال الحقوقي والحراك المؤسستي من أجل نيل القضاء صفة السلطة دستوريا تمهيدا لنيل استقلالها عن بقية السلط وخاصة السلطة التنفيذية ،وكانت الدورية الثلاثية المشؤومة المتعلقة بإجبارية إدلاء المحامين والمرتفقين بجواز التلقيح ( يا للمفارقة ! التلقيح كأصل ، إختياري الجواز كفرع عنه إجباري ) ، ولأن الأمر لم يكن يتعلق فقط برفض فئوي بعلة عدم التشاور، ولكن الأمر أعظم بكثير ، فالرفض إحتجاج على المساس بكرامة القضاة وباستقلالية وبهيبة القضاء كسلطة دستورية ، أريد لها أن تُسَخَّرَ و تخضع لإرادة وتدابير الحكومة ، التنظيمة والتنفيذية ، وهو ما يتعارض مع مبدأ فصل السلطات ، وهو سلوك غير مقبول بالنسبة لكافة الأطراف في العلاقة مع أخلاقيات المهنة / السلطة ، ناهيك عن انتهاكه للحق في الحماية الجنائية لاستقلالية سلطة دستورية يترأسها الملك ، وما يعنيه ذلك من تحقير وعدم توقير ، بتوريط مؤسستين دستوريتين ، في مسائل تدبيرية وتنفيذية محضة . وهذا هو أول الأخطاء . أما ثاني الأخطاء هو أن وزير العدل والذي هو في نفس الوقت أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة ، حزب تم تأسيسه للدفاع عن المؤسسات الدستورية ، على رأسها الملك محمد السادس بصفاته الثلاث : المؤسسة الملكية وإمير المؤمنين ورئيس الدولة . والذي يستمد شرعيته ، أي الملك ، من الشرعية الدستورية ومن مبدأ الإصلاح والقطع مع الماضي ، ضمن استمرارية نفس النظام السياسي ، هذه القطيعة في صيغة المصالحة كشرعية إضافية وضرورية لتكريس المفهوم الجديد للسلطة والمفهوم الحديث للعدل و للعدالات المتعددة والمندمجة ، هذا الحزب الذي جعل من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة أساسا لتقريره المذهبي وخياراته السياسية؛ فبغض النظر عن استقلالية القضاء وتمكينه من صفة السلطة ، بعد أن كان خلال سنوات الرصاص مجرد جهاز في يد السلطة التنفيذية يشرعن للانتهاكات الجسيمة ضد الوطنيين والمقاومين والديمقراطيين والتقدميين وحتى بعض الإسلاميين ؛ فإن مطلب طي صفحة الماضي الذي تبنته الدولة المغربية طيا عادلا ومنصفا ، بعد الإقرار بما اقترف من فظائع وعمليات سوداء بإسم ظهير ” كل ما من شأنه ” السيء الذكر ، عاد وزير العدل والحريات لكي يلوح به في مواجهة الحقوقيين والمحامين ، كفزاعة ضد كل من يفكر في” تهديد أركان الدولة العريقة في التاريخ ” ، وهو تهديد لا يليق بحقوقي ومسؤول وزيري مكلف بإنفاذ القانون ويترأس وزارة هي من أشرفت على دينامية إصلاح منظومة العدالة ، الذي نعت بالإصلاح العميق ، كما نعتت الدولة بالعميقة بسبب تصرفات الصقور وقدماء الجلادين ، دولة بائدة يحلمون بعودة رجالاتها وزمنهم الذي ولى . أما الخطأ الثالث المرتبط بالخطأين معا ، فهو دعوته إلى تجريم حق المواطنين وتعبيراتهم المدنية الحقوقية في التقاضي ، بعلة أن وزارة الداخلية هي المؤهلة لتحريك الدعاوى عموميا ضد الفساد والمفسدين المفترضين ، مضيفا علته الزائدة بأن من شأن مقاضاة المنتخبين تحفيز المقاطعة والإمساك عن الترشح والمشاركة الانتخابية ، وقد اعتبره خصومه بأن في سلوكه محاولة لتبرئة ذمة الكائنات الانتخابية الفاسدة . أما الخطأ الرابع فهو قبوله رئاسة حزب الجرار في الوقت الميت، فالمؤسسون كانوا صرحاء على أن دورهم هو خلق التوازن في المشهد الحزبي ، فيما بين الأصوليات ، المخزنية وكذا الدينية على الخصوص ، ولو كلف الأمر الحدية في الصراع ، كما حصل مع سلفه ، أو إن إقتضى الأمر عقد زواج متعة على شاكلة ” زواج النداء والنهضة ” بتونس ، مادام في ذلك فائدة للإستقرار وضمان الإستمرار ، وهو ما فشل فيه الأمين العام الحالي ، عندما ظل يغازل المصابيح والقنديلات رغبة في تحالف انتخابي محتمل ، أوطمعا في تآلف حكومي مفترض ، وهو ما تجلى في الحرب الإعلامية على رئيس حزب الحمامة شخصيا ، رغم علمه ان الضوء الأخضر منح لهذا الأخير ليطلق حملته الانتخابية منذ ما سمي البلوكاج السياسي . وهو خامس الأخطاء بالنسبة للقراءة الحالية ، والذي كان منطلق بدايات الأخطاء إلى بلوغ غاية مواعيد منزلقها . ويبدو أن الإرتباك الذي شاب تصرفات وزير العدل مرتبط عضويا بتردد من أوحى له برفض مشاركة حزبه في التحالف الحكومي إلا بشرط تحمل أية حقيبة تخوله حق حضور أشغال المجلس الوزاري . ولست أدري لماذا يتم الرهان سياسيا دون مراهنة مؤسستية على أوراق منتهية الصلاحية ، والجميع يعلم بأن القضايا الحيوية والمصيرية للبلاد تتطلب فاعلين وليس مجرد لاعبين ، وحتى في سياق التمييز بين اللعب واللعبة ؛ فقواعد ما هو سياسة لا تماثل بتاتا أخلاقيات ما هو سياسي ، لذلك فالأخطاء مصلحية ومرفقية تثير مسؤولية الحكومة ، كما انها شخصية في نفس الآن وتثير مسؤولية حزبية بأبعاد تاريخية ، في ظل تغيرات تكتيكية لكن مؤثرة عرفها مسار حزب الجرار ، منذ تأسيسه ، كحزب لتفعيل التوصيات والدفاع عن الانتقال في ظل الإستمرار ، وهو تحوير لفكرة الراحل بنزكري التأسيسية ، حتى كاد أن يوصم بناقل ومستنسخ للتجربة البنعلية لولا وقائع حراك 20 فبراير . فهل من تفكير للإستدراك والتقويم ، ونحن على أبواب تحولات جيوستراتيجية دولية ووطنية مهيكلة ، أبرزها تحديث المنظومة الجنائية والقوانين المهنية ، وتأهيل بنيات الإستقبال في ضوء مستجدات القضية الوطنية في العلاقة مع مقترح الحكم الذاتي ، وهو ما يستدعي التحضير الجيد لمؤتمر جمعية هيئات المحامين بمدينة الداخلة بضرورة إستحضار أبعاده الإفريقية والإقليمية ، والذي ينتظر منه أن يكون محطة تأكيدية للمكتسبات الحقوقية والسيادية وللانفتاح على آفاق معرفية وتنموية بأبعاد حقوقية وإنسانية ، بعيدا عن منطق البهرجة المبتذل وغرور تحصيل الحاصل . ولتكن المحطة لحظة وطنية ودولية ومناسبة لاستكمال مسلسل المصالحة وجبر الضرر الترابي عموديا وعرضانيا ، مع ربط أي إنتقال أو حوار في العلاقة مع حسن الجوار وتصفية الاستعمار .