آخر الأخبار

هل فيلا القبطان اقدس من سور ابن تاشفين ؟

الحسين العطشان

شكل قرار سحب ترخيص هدم فيلا لوسيين بكليز بعد شهرين ونصف تقريبا من منحه وبناء عمارة محلها ، حديث الشارع المراكشي الاسبوع المنصرم، وما افرزه من لغط بين المنابر الاعلامية و نشطاء التواصل الاجتماعي ، حول موضوعية إيقاف الهدم-الايقاف الجريء – للفيلا المتواجدة بكليز قرب المعبد اليهودي و المؤسسة السجنية السابقة “بولمهارز” بمقطع شارع يعقوب المنصور و شارع الزرقطوني بتدخل من السيدة الأولى بمراكش ، بسبب تاريخية الفيلا مع طلب اعادة التنصنيف ضمن بنايات التراث التاريخي ، مع التأكيد ان هكذا قرار يحصن الهوية التاريخية و الثقافية للمدينة .
فانبرى كثيرون يهللون و يشيدون بهذا الفتح المبين وينزلونه منزلة الانجاز الغير المسبوق ،فصفق بشدة المدافعون عن التراث التاريخي لمنطقة كليز لهذا القرار ، الذي يجب استثماره واسقاطه على مجموعة من الحالات التي تهم أبنية تاريخية عديدة خاصة بالمدينة العتيقة و خارجها .
فيما ذهب اخرون الى ان القرار فيه ضرب للاستثمار،وانتهاك لملك عقاري يستوفي كل الشروط من أجل إقامة استثمار عقاري ، وان الجهة المستثمرة استصدرت وثيقة رسمية – تتوفر الجريدة على نسخة منها- من المحافظة الجهوية للتراث الثقافي التابع للمديرية الجهوية للثقافة تؤكد ان البناية غير مدرجة ضمن لائحة البنايات الكولونيالية التراثية التاريخية .
هنا يجرنا النقاش حول أبنية اكثر قيمة و اكبر عمرا ، تحتاج أيضا للتحصين و الحماية ،منها دور و رياض وسقايات و اقواس…..بمجموع تراب المدينة خاصة العتيقة ..، وبنايات بالحي نفسه تم انشاءها خلال نفس الفترة الزمنية ؛ دور سينما و مسارح يطالها الاهمال و الموت البطيء استعدادا للهدم وتحويلها لمشاريع استثمارية تسيل لعاب المنعشين العقاريين …، قبل ذلك أليس حريا تحري الدقة قبل اصدار الترخيص ،
خاصة اذا تعلق الامر بعملية لها من التداعيات الشيء الكثير ؟ و ماذا سيفيد إيقاف الهدم بعد بلوغه اكثر من 75% تقريبا حسب عارفي الميدان ، او بعد خراب مالطا كما يحلوالاخواننا المصريون التعبير ؟ في حين غدت الواجهة تشكل خطرا على المارة بوجودها بمحاذات شارع يعرف انسيابية كبيرة للراجلين و أصحاب الدراجات و السيارات ، بعد ان اصبحت غير مدعومة و بترت منها الخلفية ……
بناء بني سنة 1900 من القرن الماضي خلق جدلا كبيرا عند ترخيص الهدم واعادة البناء، وازداد الجدل اكثر بعد سحب الترخيص ووقف اعمال الهدم ، في صورة فريدة وغريبة وصفها البعض بالشجاعة التي تستحق الكثير من الاحترام لهدفها النبيل عطفا على رأيهم ، ووصفها البعض الاخر بالارتجال وغياب الاستشراف و محدودية الافق ،ستكون لها انعكاسات سلبية لا سيما على المبادرات الاستثمارية الخاصة .
غير بعيد عن ذلك الا يستحق سور المدينة ذو الالف سنة ، هكذا اهتمام من لدن الفعاليات المدنية و الفئات الشعبية و المنتخبين والمسؤولين ؟! وما تعرض له هذا الميراث من سلب و تشويه واعتداء،متكرر .
بالنبش في أرشيف القوانين التي تهتم بالتراث المعماري الأصيل نجد ؛ ان المشرع حصن بشكل قوي السور و امده بترسانة قانونية تحميه من زحف و هجمات باقي البنايات في إطار التفرد العمراني ، هذه القوانين توضح بشكل جلي مناطق حماية السور او المنطقة المنزوعة البناء ؛ تتلخص في مجموعة من الظهائر و المراسيم والتشريعات الحكومية لا سيما الظهير الشريف الصادرب بتاريخ19 نونبر 1920المتعلق بالمحافظة على المباني الأثرية ثم بعده ثلاث قرارات وزيرية صادرة بين 1925 و 1928 ، نشرن بالجريدة الرسمية اعداد 667 و 723 و 823.
حيت أكدت على ؛ ترك 30 متر على الواجهة الداخلية للسور، وحددت مسافة الارتفاق خارج السور ب 250 متر فيما تقلصت هذه المسافة الى 100 متر من الحارة الى باب الخميس،لتتراجع ل 60 مثر مابين شارع اليرموك و باب الجديد ،
رغم هذه الترسانةالقانونية ، لا يتم احترامها ، وتتم الاعتداءات والسطو بشكل يومي ومتكرر ، حيث صارت: النوافذ تفتح ويطل اصحابها قسرا من السور و تظهر بجلاء الاسطح الملاصقة للسور بقنوات تصريف المياه و اغطية يتم عرضها على أشعة الشمس فوق السور و لواقط هوائية ،على طول السور خاصة بباب غمات و باب ايلان قبورالشو ، في منظر يشمئز منه كل غيور على هذه المدينة .
لم نعد نتحدث عن مسافة الارتفاق بل أصبحنا نتحدث عن أبنية تلاصق وتزاحم السور التاريخي و تقتطع منه أجزاء كما حدث مع منزل قبور الشهداء ، حيث يتم مسخ السور يوميا ناهيك عن التبرز و التبول بشكل علني على الجنبات وما يخلفه من تشويه،و ضرب واغتصاب لذاكرة حفظت مراكش على مر السنين من هجمات الاعداء.
فهل من تدخل ؟ هل من حماية وتنزيل لهذه الظهائر و المراسيم ؟؟
كيف للسور وهو سابق على كل بناء بمراكش ان يلاقي كل هذا الحيف ؟
هنا يكمن جوهر السوال وتتناسل معه أسئلة كثيرة عن جدوى المحافظة على الداخل و إهمال الهيكل و الوعاء الذي يحمي كل موروث معماري بمراكش، هذا السور يحتاج لرد الاعتبار مصالحة مع الذاكرة و الهوية.