آخر الأخبار

هل كان طه حسين شمسا حقا ؟

انا ماندمت على فُقداني بصري طيلة حياتي، كنتي العين التي ارى العالم بها والآن ما أحوجني اليكي لاراكي “

كلمات قالها الأديب طه حسين لزوجته السيدة سوزان بريسو يوم زفافهم.

يوسف خليل السباعي

لا أدعي أنني قرأت معظم كتب طه حسين، ولكنني قرأت بعضها. ولكن في زماننا كان طه حسين معروفا بعميد الأدب العربي، فأنا من مواليد الستينيات، وكنت أسمع عن طه حسين، بل إن منزل عائلتي كان يحوي كتبا عديدة، ومن بينها كتب طه حسين. كان هذا الرجل الكفيف البصر، الذي يرتدي نظارة سوداء، يتمتع بشخصية مؤثرة، ولم يكن أحد من الكتاب والشعراء والمفكرين يتجرأ على البدء في الكلام أوالسؤال دون ذكر الدكتور طه أو السيد العميد، وذلك لمكانة طه حسين الأدبية والنقدية والمعرفيه، ومن بين هؤلاء يوسف السباعي ونجيب محفوظ ومحمود أمين العالم وأنيس منصور وغيرهم، وعندما كان طه حسين يجيب عن سؤال أحدهم لم يكن أحد يقدر على الرد، إلا بحشمة، وكان الرجل يتكلم بصرامة ودقة سواء في مجال الرواية أو القصة أو المسرحية الشعرية أو الفصحى والعامية وغير ذلك، كما أن مرضه كان يمنعه من إكمال بعض تواليفه، كما أن طه حسين كان يخفي جرحا عميقا، وهو نور البصر ( العين) الذي حرم منه، إلا أن هذا لم يمنع عنه أن يكون شمسا.
كان طه قارئا ازدواجيا: قرأ الأدب الكلاسيكي العربي، وتبنى المنهج الديكارتي، وتعمق في الأدب الفرنسي، وتبحر في الفلسفة، ولكن نقده كان صارما، وحادا كالسكين، لأنه كان يقرأ كثيرا بواسطة السمع، وكان يمتلك فكرا تحليليا رصينا، إلا أنه لم يكن يكتب، وإنما يملي، وفي هذا المنحى دور زوجته سوزان بريسو، التي كان لها دور كبير في هذا الأثر.
إن أثر طه حسين في كيفية تحويل الإملاء إلى إنشاء. والإنشاء هنا بالمعنى الذي يذهب إليه عبد الفتاح كيليطو. إن الإملاء هو الصوت الذي يترك أثر الكلمة ( القطرة) تسقط على الصفحة البيضاء كخدش ما، جاعلة من الكتابة شكلا مسؤولا.
كان طه حسين في ذلك الوقت شمسا، ولكنه كان يوصي من يرغب في الكتابة بأن يقرأ، واعيا بقيمة القراءة والكتابة كممارسة وإنتاج.