يعاني النظام التربوي المغربي من ظاهرة خطيرة نخرت جسمه منذ الاستقلال إلى اليوم الا وهي ظاهرة الهدرالمدرسي؛ تعد هذه الأخيرة معضلة تحد من الإصلاحات التربوية. يقصد بالهدر المدرسي التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته, لكن نفس المصطلح يعرفه بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي إلا أننا بشكل عام نتحدث عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاع التلاميذ عن الدراسة قبل إتمام المرحلة الدراسية أو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة.و كيفما كان التعريف لهذه المعضلة ، فلا بد من الاعتراف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمع بكافة أشكاله المتخلفة بشكل عام.
و الهدر يشكل معضلة تربوية كبرى، لأنه يحول دون تطور أداء المنظومة التربوية، خصوصا في العالم القروي، ويحدث نزيفا كبيرا في الموارد المادية و البشرية، و يؤثر سلبا على مردوديتها الداخلية فالتقارير الدولية والوطنية تقر بخطورة ظاهرة المدر سي فحسب شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أن مجموع المنقطعين عن الدراسة برسم الموسم الدراسي 2022-2021 بلغ ما مجموعه 334 ألفا كما مثل السلك الثانوي الإعدادي الحصة الكبرى بحوالي 55 في المائة.
أمام هذه الأرقام المخيفة بادرت وزارة التربوية إلى إطلاق خارطة الطريق 2026-2022 ، والتي تنبثق من مقتضيات القانون الإطار رقم 51.17، كما تستمد مرجعيتها أيضا من نموذج التنموي الجديد في الشق المرتبط بالتعليم وترمي خارطة الطريق الجديدة، إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، وهي تحقيق إلزامية التعليم، وضمان جودة التعلمات الأساسية، وتعزيز التفتح والانفتاح والمواطن وتركز على ثلاث محاور التلميذ الأستاذ المؤسسة .
ولعل اهم التزام تجاه التلميذ هو تحقيق الزامية التمدرس والذي يهدف تقليص الهدر المدرسي من خلال مجموعة من الالتزامات أهمها تعميم التعليم الاولي مواكبة فردية للتلاميذ المتعثرين؛ توجيه التلاميذ نحو مسارات تلائم مؤهلاتهم …. هذه الالتزامات سيتم تنزيلها من خلال مشروع جديد : مدارس الريادة هذا المشروع المستورد من الهند ويعتمد على تنزيل أربع مكونات من خلال محاور خارطة الطريق .
المكون الأول: يهدف إلى تصحيح التعثرات الأساسية للتلميذات والتلاميذ في القراءة والحساب، من خلال أجرأة أنشطة الدعم التربوي بالتعليم الابتدائي باعتماد مقاربة التدريس وفق المستوى المناسبTaRL(، والتي تم تأكيد نجاعتها من خلال التجريب الميداني. ويشمل هذا المكون استفادة جميع التلميذات والتلاميذ من الدعم التربوي اليومي والمركز خلال شهر شتنبر، وبصفة أسبوعية طيلة الموسم الدراسي بالنسبة للتلميذات والتلاميذ المتعثرين. وذلك بهدف القضاء نهائيا على صعوبة التعلم التي يعاني منها حاليا ما يفوق نصف مجموع التلميذات والتلاميذ.
أما المكون الثاني: يهم تفعيل الممارسات الصفية الناجعة، والتي أثبت أثرها الإيجابي على التعلمات، وتهدف هذه الممارسات إلى التدرج في بناء المكتسبات وتلقينها، حيث لا يتم الانتقال إلى المرحلة التالية من الدرس، إلا بعد التأكد من أن جميع التلميذات والتلاميذ قد استوعبوا المرحلة السابقة. وتمكن هذه المقاربة “الوقائية” من تفادي تراكم التعثرات. ومن أجل تنزيلها سيستفيد الأستاذات والأساتذة من الموارد والوسائل البيداغوجية اللازمة، مع تكوين شامل ومواكبة صفية منتظمة.
ويرتكز المكون الثالث: على التدريس بالتخصص، بما يتناسب بشكل أفضل مع تخصص التكوين والمهارات التي يتمتع بها الأستاذات والأساتذة، وذلك لضمان الاستفادة القصوى من اهتماماتهم وكفاءاتهم،
المكون الرابع :تسيير المؤسسة التعليمية، وخاصة ما يتعلق بالظروف المادية (الفضاء الداخلي من أقسام ومرافق صحية، الأمن، النظافة، جودة التجهيزات وتوفر العتاد الديداكتيكي)، إضافة إلى تفعيل مشروع المؤسسة المندمج والعلاقة مع الأسر
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة صادقت مرسوم حكومي “علامة مؤسسة الريادة” في المدارس المغربية والذي أثار جدلاً واسعاً بين جمعيات آباء وأولياء الأمور، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة. فبينما اعتبرها البعض بمثابة خطوة جريئة نحو إصلاح التعليم ومحاربة الهدر المدرسي شكك آخرون في جدواها، مستندين إلى غياب تقييم واضح لنتائج التجربة حتى الآن.
ويبقى السؤال المطروح هل تستطيع مدارس الريادة تقليص ظاهرة المدرسي بالمقارنة مع المبالغ المرصودة بيد ان الدارسات والتقييمات الداخلية والخارجية هي من ستحدد نجاح المشروع وفشله .
*متصرف تربوي * باحث في الشأن التربوي