لابد من التأكيد على أن ما يجعل الملكية البرلمانية واقعا سياسيا ليس فقط ما نصت عليه الدساتير الموضوعة في سياقات تاريخية مختلفة ,وتحت ضغط توازنات سياسية واجتماعية موضوعية وذاتية معينة,وإنما ,وبدرجة أولى, هو قابلية المجتمع للانتقال من مشروعية تستند إلى ميراث التقليد وتتماهى مع التاريخ / الماضي إلى مشروعية رافعتها البنية الفكرية للحداثة السياسية ومفاهيمها المركزية : الديمقراطية , التعاقد ,المواطنة ,والمساواة أمام القانون … الخ
فلا شك في أن تشبع المجتمعات الأوروبية بروح الديمقراطية وبأسسها الفلسفية والسياسية والذي استغرق عقودا طويلة من الانتقال المتدرج من المشروعية التاريخية التقليدية إلى المشروعية الديمقراطية، وتطور الحقل السياسي فيها على أساس تقاطبي ومهيكل تتصدره أحزاب قوية ذات مشاريع مجتمعية واضحة المعالم والمرجعية , هو ما جعل كل ما نصت عليه دساتيرها من مكانة وصلاحيات للمؤسسة الملكية ,يمارس في نطاق سيادي ,رمزي في الغالب , وفي إطار من التكامل والتعاون بينها وبين المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان.
وتأسيسا على ذلك لابد من التساؤل اليوم , بعدمرور ثمان سنوات على إقرار دستور 2011 :
_ هل نحن فعلا نسير ” في طريق الملكية البرلمانية” ؟ كما بشرنا بذلك المستشار الملكي السيد عبد اللطيف المنوني ؟
_ هل المعطيات الموضوعية الراهنة للحقل السياسي الوطني تشي بذلك وتفصح عنه أم تؤكد عكسه ؟
_ ألم تسفر عملية تفعيل أو ” تنزيل ” مقتضيات دستور 2011 عن تكريس الطابع التنفيذي للمؤسسة الملكية ؟ من خلال تنازلات رئيس الحكومة ع بنكيران في القانون المعروف ب ” ما للحكومة وما للملك ” ؟ وبعد دخول المشهد السياسي في نفق ثنائية مصطنعة عقيمة أدت إلى انسداد المجال السياسي و ” لخبطته” وإلى إقفال قوس ” الربيع المغربي ” ؟
إن “الطريق إلى الملكية البرلمانية ” ليست سالكة اليوم , ويجب الاعتراف بأن الفاعلين السياسيين المركزيين فشلوا في اختبار التفعيل لمقتضيات الدستور وفق منظور ديمقراطي وتأويل حداثي بسبب عدم تحليهم بالإرادة السياسية وعدم تشبعهم بثقافة سياسية جديدة متحررة من الا رث التقليداني والمحافظ لعلاقة المجتمع بالمؤسسة الملكية.
لقد ازداد الطريق إلى نظام الملكية البرلمانية (الواضحة معالمه والمتوفرة لبناته داخل هندسة الدستور ) وعورة مع مخلفات الولايتين الحكوميتين لحزب العدالة والتنمية المحافظ.
إن الانتقال الديمقراطي لبلدنا يرتبط ببلورة وإبداع ” الطريق المغربي” لبلوغ نظام الملكية البرلمانية والإمساك ببوصلته التي تم تضييعها من طرف الجميع . و لعل من مداخل ربح هذا الرهان التحديثي للمجال السياسي والمؤسساتي الوطني :
– تجديد الثقافة السياسية لمختلف النخب والفاعلين في الحقل السياسي بما يقطع مع التصورات والمفاهيم التقليدية و” السلطانية” لعلاقة الحاكمين بالمحكومين, و يؤسس لتمثل عميق لتحولات المجتمع والعصر وما تفرضه من تشبع بأسس الحداثة السياسية وفي مقدمتها المواطنة الكاملة القائمة على الحرية والكرامة .
_ إعادة هيكلة الحقل الحزبي على أسس فكرية وسياسية وبرنامجية ” دنيوية” ملموسة وقابلة للإنجاز , فالملكية البرلمانية ستظل بعيدة المنال في واقع التعددية الحزبية الفوضوية والمصطنعة وعائقا من عوائق التقدم الديمقراطي . إن السند القوي للملكية البرلمانية ورافعتها في ديمقرطيات العالم هو أحزاب سياسية قوية مستقلة ومهيكلة , وذات امتداد شعبي واحتضان واسع لمشروعها المجتمعي ,
_ تحديث المؤسسة الملكية , بتحريرها من الثقافة والتقاليد المخزنية , فالمؤسسة الملكية بمشروعيتها التاريخية والوطنية والدينية المتجذرة والمتماهية مع تاريخ وحضارة البلاد , محكوم عليها بالتجدد والعصرنة والتحديث كي تصبح , شكلا ومضمونا مطابقة لمقومات وروح ومقاصد النظام الديمقراطي البرلماني .. وفي جميع هذه المداخل مسؤوليات للدولة والاحزاب والمثقفين وهيئات المجتمع المدني ..
فهل ترقى الإرادات للسير يدا في يد على هذا الطريق ؟
جليل طليمات / الرباط