إدريس الأندلسي
قد يجهل الكثير من المتابعين للشأن العام أن وزير التربية الوطنية الحالي شكيب بن موسى قد تحمل حقيبة وزارة الداخلية قبل سنوات. هذا الإنسان المغربي و ،الإطار غير الطموح سياسيا بالمفهوم الحالي، ترك الوزارة بحكم عدم التمكن و الرغبة و المشاركة في صنع خارطة سياسية على مقاس معين. اللعب مع الكبار صعب على المسؤول الواعي بقواعد لعبة تتجاوز مهامه. لم يتكلم الوزير المقال من قطاع الداخلية و ترك المجال لمن قد يكون قد حصل على الإذن بالكلام. و الآن و قد اشتعلت الأزمة حول إصلاح التعليم أصبح من اللازم تحميل المسؤولية لوزير يشكل قلقا سياسيا لرئيس الحكومة.
الموضوع في الأصل يرتكز على قيمة إنسان. قد تكون مستويات الرضى عن أداء بعض الاطر العليا كبيرة و معلنة أو شبه معترف بها. و لكن قواعد التحكم في المسارات الشخصية لها قانون شبه عرفي يشبه إلى حد كبير طقوس شعوب سابقة على عهدنا. لا نجاح لمن يوجد خارج القبيلة الحزبية رهينة الزمن السياسي الحالي. نعم تدخلت حسابات سياساوية للزج بالمهندس شكيب بن موسى في اتون الصراع المصطنع حول إصلاح قطاع التربية ببلادنا. لم يقبل اخنوش، الرئيس الحالي للأغلبية أن يظل شكيب بن موسى خارج السلطة التنفيذية بعد نجاحه في تدبير التكليف الملكي الخاص بالنموذج التنموي الجديد.
كان من المفروض أن يتم العمل على إعطاء مدلول مؤسساتي لشكل سياسي أو ميثاق وطني لذلك النموذج التنموي الجديد. و فجأة سكت الجميع بعد تكوين حكومة جديدة.
يقال أن رئيس الحكومة الجديد كان مصرا على وضع حد لمسار شاركت في وضع لبناته خيرة خبيرات و خبراء الوطن. و بينما كان الإنتظار منصبا على وضع آليات تتبع توصيات النموذج التنموي الجديد، تم اقحام رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي في ملعب حكومة لها قواعد انتخابية و سياساوية تدفعها إلى الإحتياط التكتيكي ممن راكموا تجربة و قد يشكلون خطرا على مشروعية ناقصة المعالم. لا أحد يعرف كيف تصرف اخنوش لكي يقنع الدولة بضرورة تحميل شكيب بن موسى أكبر المسؤوليات و اخطرها في حكومة ضعيفة اجتماعيا و سياسيا. لو كنت مكان بن موسى لرفضت المنصب . السبب اني كنت خارجا للتو من تجربة كبيرة تتجاوز زمن الصراع من أجل تحكم في مؤسسة أو مؤسسات. و هكذا توقف مسلسل فريد علميا و سياسيا كان من الأولى التأسيس على نتائجه للتأثير على عدة مسارات إصلاحية .
لم تعد هناك إمكانيات للتهرب من المسؤولية السياسية لحزب رئيس الحكومة و حليفيه غير التقليديين وسط احتجاجات مشروعة للشغيلة التعليمية. الوزير، غير المدعوم حزبيا، حاول إعطاء مدلول حقيقي للإصلاح التربوي وظل يسبح ضد تيارين أحدهما يتشبث بالملف الخاص بالتعويضات المالية فقط و الآخر يريد تغليب الجانب التربوي الناجح على الجانب الإجتماعي المشروع. كل المراحل التي تطلبها تدبير هذا الملف أظهرت أن الموضوع فيه ما فيه من الحسابات السياساوية. تركوا الوزير بن موسى في مواجهة أزمة وحيدا أمام النقابات و التنسيقيات. تركوه لكي يظهروا للجميع أن الوزير يواجه الجميع بإسم التوازنات المالية و كثير من معاداة أسرة التعليم. و فجأة يظهر المنقذ في المشهد.
اخنوش يخاطب أسرة التعليم المظلومة بلغة استعملها قبله مدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي. ” ديروا النية “. الرسالة واضحة و تريد تمرير معارضة الوزير بن موسى لتحسين وضعية نساء و رجال التعليم. و الحقيقة أن هذا الوزير لا قدرة له على التحكم في برمجة المالية العمومية. و كل دول العالم تعرف أن مهمة التفاوض مع الشغيلة في كل قطاع تخضع لإرادة رئيس الحكومة. الأمر يزداد سوءا حين ينخرط النقابيون في لعبة سياساوية لكي يصبح الحوار مجالا لإطالة مسلسل المفاوضات إلى ما لا نهاية. و هكذا تكون جولة مفاوضات مع النقابات مسلسلا تتجدد فيه المطالب بعد التوصل إلى التوافقات. يرجع النقابي المتخصص بعد توافق إلى لا توافق و قد تصدر نقابته بلاغا ضد كل ما تم التوصل إليه و قد يتم التشكيك في النيات و في إرادة من أراد فعلا تنزيل الإصلاح.
الأهم في الموضوع هو الاجهاز على كل الاطر التي تسبح ضد تيار و تلك التي تضع المسؤولية السياسية في معادلة الإصلاح بتكاليفه المالية و المؤسساتية. يظهر أن التطورات التي تعرفها الساحة التعليمية أن التنسيقيات تأكدت من ضعف الأغلبية المكونة للحكومة و البرلمان و عدم قدرتها على اضعاف صف الشغيلة التعليمية. و لسوء الحظ، أراد زعماء هذا الزمن الحكومي الزج بالمهندس بن موسى في معركة لا يمتلك كل أدوات تدبيرها. يعرف هذا الوزير قوة التقنوقراطية لمحددات المالية العمومية و يعرف كذلك أن القرار المالي هو المتحكم في فرملة كل إرادة إصلاحية. ما معنى أن يعطي رئيس الحكومة مفاتيح القرار المالي لوزير منتدب و يركب موجة الإصلاح ” بالنية” و كأنه منقذ الشغيلة التعليمية أمام جبروت وزير لا يمتلك مواردا للاستجابة لطموحات مشروعة لهذه الفئة. بعضهم ممن يعتقدون أنهم مثقفون لم يطلب الإذن لينصب نفسه حاكما بأمر الله و يختار عباده من ضمن من حمل جنسية غير جنسيته الأصلية المغربية و يحرم عليهم تقلد المسؤوليات. عشت في فرنسا خلال مرحلة دراسة كانت خلالها سهولة كبيرة للحصول على الجنسية و الجواز الفرنسي . رفضت لاقتناعات ايديولوجية هذا المسار و لم انتقد اؤلئك الذين اختاروا الجنسية الفرنسية. و للتذكير فقد كان الرافضون للتجنس فئة كثيرة عكس ما يحدث اليوم. و في هذه الفترة الحرجة يسمح ” مؤرخ المملكة السابق” و صاحب المسار الخاص في تأليف الكتب و الروايات، لنفسه في الحكم على كفاءة وطنية رضيت بأداء أدوار كبيرة في القطاعين العام و الخاص و تم الأداء بكثير من المهنية و الإخلاص. لو طبقنا منطق ” الجواز ” لسقط إلى الأبد طموح الدولة في جذب كفاءات مغاربة العالم لتقوية قدراتنا في الكثير من القطاعات. و أغلب هذه الكفاءات تحمل جنسيات مزدوجة و لكنها تحمل وطنها في قلبها.
ملف الإصلاح الذي يجب أن يدخله نظامنا التعليمي لا يجب أن يكون محدودا في محور الزيادة المشروعة في الأجور، ولكن أن يشمل الرفع من مستوى أداء الأستاذ و المفتش و المدير عبر التكوين المستمر و التقييم الموضوعي للنتائج. ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يكون منهجا في كل القطاعات. نظامنا التعليمي مريض جدا و ترتيبه جهويا و عالميا ضعيف جدا. لذلك وجب وضع ميثاق تعاقدي يحكم المنظومة في شموليتها و يضع الوسائل الكفيلة للرفع من المستوى. صحيح أن المدرسة العمومية تسجل نتائج مبهرة على صعيد نخبة قليلة العدد و لكن الأغلبية لا زالت ترزح تحت النتائج الضعيفة في المواد العلمية و امتلاك اللغات. الأمر خطير و لا يجب أن لا نرفع درجة أداء الأستاذ و المعلم عبر التكوين المستمر و ربط الحوافز بالنتائج.
رجعنا خلال اليومين الأخيرين إلى منطقة الصفر بعد أن عاشت الأسر المغربية صعوبات بفعل الإضراب. تم تجميد مشروع النظام الأساسي و فتح جولة جديدة من الحوار. المطلوب أن لا يتمخض عن الإجتماعات المقبلة قرارات تهم الجانب المالي فقط. المطلوب الإستمرار في النتائج التي تراكمت من خلال توسيع التجارب الناجحة في بعض المدارس و تأطيرها بمهنية عالية. الأمر يتطلب كذلك الإستمرار في خلق الوظيفة التعليمية بناء على مقاييس التخصص و القدرة على الأداء. ليس كل من يحمل شهادة جامعية قادرا على ممارسة التعليم و كل المهام المرتبطة به. مشروع الوزير بن موسى طموح و واقعي لإعادة هيكلة التعليم و لكن الأمور التي ترتبط بحجم الاعتمادات المالية لتحسين الوضعية الصعبة للكثير من مكونات الأسرة التعليمية هي مسؤولية حكومة و رئيسها. لذلك ليس من السياسة في شيء أن توجه سهام النقد و حتى الشتائم لشخص يحمل أصعب حقيبة وزارية في الوقت الراهن.