اعتبر العديد من المتتبعين للشأن المحلي بمراكش أن احالة ملف والي جهة مراكش المعزول على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، من شأنه النبش في ملفات مراكش العقارية، و نفض الغبار عن واقع الاختلالات والتجاوزات التي ميزت تدبير قطاع التعمير بمراكش، وحولته بمباركة بعض من اسند اليهم تدبير وتسيير الشأن المحلي الى مجال للمضاربات ومراكمة الثروات والاغتناء غير المشروع، مع اغراق المدينة وفضاءاتها بركام من المشاريع العقارية المشوهة للمجال؟
أسئلة باتت تتردد على السنة المتتبعين للشأن المحلي ببهجة الجنوب، وهم يتابعون تساقط بعض الرؤوس الوازنة والحساسة التي ظلت متحكمة في القرار المتعلق بالتعمير وسياسة المدينة، والجميع ينتظر ما ستتكشف عنه مجريات الاحداث في المقبل من ايّام.
فبالموازاة مع اعتقال خالد وايا المدير العام للوكالة الحضرية لمراكش، وقرار النيابة العامة بإحالة ملف القضية على قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة المكلف بجرائم الاموال بمحكمة الاستئناف، بناءا على قرار متابعته بتهم تنهل من بنود القانون الجنائي خاصة في فصوله المتعلقة بالارتشاء واستغلال النفوذ، ياتي قرار النيابة العامة بذات المحكمة بإحالة ملف عبد الفتاح البجيوي والي جهة مراكش- اسفي المعزول على محمد عبد النبوي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض للاختصاص طبقا للمواد264 و 265 من قانون المسطرة الجنائية، كما اكد المراسلة التي وجهها الوكيل العام باستئنافية مراكش لنشطاء الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان بالمغرب.
وكانت لحظة التقارب التي جمعت الوالي المعزول بالمدير العام للوكالة الحضرية وبعض المضاربين العقاريين خاصة بعض المسؤولين المنتخبين الذين دخلوا مجال الاستثمار العقاري من باب المضاربة واستغلال الفرص، قد فتحت القطاع على مصراعيه لتناسل جملة من الفضائح والقضايا ، ودفعت بعض الهيئات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني الى طرق أبواب القضاء، وتقديم ركام من الشكايات الداعية الى فتح باب المساءلة ، والمطالبة بالتحقيق في الظروف والملابسات المحيطة ببعض الملفات والصفقات المثيرة للشبهة والالتباس.
وتبرز في هذا السياق الشكاية التي تقدم بها نشطاء الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب للنيابة العامة ،يلتمسون من خلالها فتح باب البحث والتحري في ظروف وملابسات ” تفويت عقارات في ملك الدولة لفائدة منتخبين و مضاربين بأثمان زهيدة، خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2018″، وتوجه بشكل مباشر أصابع الاتهام ل”منتخبين ورجال سلطة ومسؤولين بمصالح خارجية بمراكش، توافقوا على تفويت مجموعة من العقارات المملوكة للدولة، ظاهرها تشجيع الاستثمار، وباطنها المضاربة وتبديد أموال عامة، وهو ما يكشف عنه كون مجموعة من العقارات التي تم تفويتها لبعض الشركات، في إطار تشجيع الاستثمار سرعان ما كانت موضوع مضاربات “
فبمجرد مصادقة لجنة الاستثناءات على بعض هذه المشاريع – تؤكد الشكاية – بادر المستفيدون إلى بيعها لأشخاص آخرين، ما يكشف وبالملموس أن مضاربين وخلفهم مسؤولون من مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية والمنتخبة ساهموا جميعا في تبديد أموال عمومية. علما بأن عقارات اخرى مملوكة للدولة كان مقررا أن تحتضن مشاريع ومرافق عمومية سرعان ما تم تفويتها لبعض الشركات، بدل إنجاز المشاريع العمومية المقررة”.
من نماذج المضاربات المثيرة اقدام المجلس الجماعي لمراكش، خلال الفترة الانتدابية (2009-2015) على المصادقة على مقرر يقضي باقتناء ثلاث بقع أرضية بمنطقة العزوزية في ملك الدولة، من أجل تشييد محطة طرقية للمسافرين على الأولى، وإنشاء محطة لوقوف سيارات الأجرة بالثانية، وتوسيع السوق البلدي على حساب البقعة الثالثة. وقد باشر المجلس الجماعي المذكور المساطر الخاصة بعملية الاقتناء، حيث شرع فعلا في بناء المحطة الطرقية، قبل أن تنتهي المدة الانتدابية للمجلس، ويتم انتخاب مجلس جماعي جديد بمكتب مسير جديد منتصف سنة 2015، لتتوقف مسطرة اقتناء البقعتين السالف ذكرهما، في ظروف غامضة، وتدخل شركتين خاصتين على الخط لتعملا على اقتناء البقعتين، وانجاز فندقا ومحطة لتوزيع المحروقات فوقهما ، في تجاوز صارخ للأهداف المعلن عنها في اقتناءالبقعتان ذات الرسمين العقارين7372م، و 12387م.
من الوقائع الصادمة التي تضمنتها الشكاية كذلك ، اقدام مصالح وزارة التربية الوطنية بمراكش، على تحرير طلب لاقتناء البقعة الأرضية ذات الصك العقاري رقم 15145/م، المتواجدة بالحي الجديد (دوار الجديد) بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، ذات المساحة المقدرة بحوالي عشرة آلاف متر مربع، من أجل تشييد مؤسسة تربوية عمومية، حيث شرعت فعلا في إجراء مساطر الاقتناء وتوفير الغلاف المالي للمشروع، قبل أن يتم تفويت هذه البقعة لفائدة إحدى الشركات وذلك من أجل تشييد محطة لتوزيع المحروقات ومطعما ومقهى. علما أن لجنة الاستثناءات برئاسة عبد الفتاح لبجيوي والي جهة مراكش المعزول ، هي التي أشرت وصادقت على هذا المشروع بدل المؤسسة التربوية المذكورة.
حبل المضاربات امتد لبعض الجماعات القروية ،كما هو الشأن مثلا بجماعة ” اغواطيم” باقليم الحوز ، حيث كشف النشطاء الحقوقيين المعنيون عن واقعة
تفويت العقار المملوك للدولة ذي الرسم العقاري 1184/م، لفائدة احدى الشركات التي كان وراءها أحد المنتخبين بالمجلس الجماعي لمراكش، وهي نفس الشركة التي استفادت من إحدى البقعتين الأرضيتين بمنطقة العزوزية حسب ما تمت الإشارة إليه سابقا.
تماما كما هو الشأن بالنفوذ الترابي لجماعة ايت أورير بذات الاقليم ، حيث اقدمت إحدى الشركات المسنودة من قبل أحد كبار المنتخبين بالمجلس الجماعي لمراكش، على تحويل بقعة أرضية مساحتها حوالي ثمانية هكتارات إلى تجزئة سكنية، بعد مصادقة لجنة الاستثناءات برئاسة الوالي المعزول بالرغم من أن البقعة تقع في منطقة منزوعة البناء عبارة عن منطقة خضراء بحسب تصميم التهيئة.
وبنفس المنطقة تمكنت شركة ثانية، مسنودة بدورها من طرف رئيس المجلس البلدي لآيت اورير، من تحويل بقعة تمتد على مساحة تقدر بحوالي ثلاثة هكتارات إلى تجزئة سكنية، بعدما صادقت لجنة الاستثناءات على المشروع، بالرغم من أنها ملك خاص للدولة وموضوعة رهن اشارة المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي لجهة مراكش آسفي لإقامة مشروع لتربية الماعز وكذلك اقامة تجزئة سكنية لجمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي الفلاحة و جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي المجلس الجماعي لآيت اورير، إضافة إلى تشييد مقر للوقاية المدنية.
وبمقاطعة المنارة بمدينة مراكش، وتحديدا بمنطقة تاركة، تم تفويت العقار المملوك للدولة ذي الرسم العقاري 5938/م، لفائدة أحد منتخبي المجلس الجماعي لمراكش، بثمن زهيد لا يتعدى 620 درهم للمتر المربع الواحد، وذلك من أجل تشييد تجزئة سكنية، وهو المشروع الذي تمت المصادقة عليه من طرف لجنة الاستثناءات. وقد عملت إدارة الأملاك المخزنية على طرد مجموعة من الأسر والعائلات التي كانت تستغل العقار وتؤدي واجبات الكراء لفائدة الإدارة المذكورة، وعند اعتراض هذه الأسر على عملية الطرد التي لم تراعي أوضاعهم الاجتماعية، تم الزج ببعضهم في السجون.
جملة تفويتات بطعم المضاربات حولت املاك وعقارات الدولة الى دجاجة تبيض ذهبا لفائدة منتخبين ومضاربين وبمباركة المسؤول الاول بالجهة، ما انتج فضائح سارت بذكرها الركبان، وفرضت تدخل المفتشية العامة لوزارة الداخلية التي وقفت على بعض غيض من فيض هذا المسلسل الفضائحي، وبالتالي التعجيل بصدور قرار عزل عبد الفتاح البجيوي والي جهة مراكش واحالته على المجلس التأديبي لمواجهة هذه الاقترافات، فيما تكفلت الفعاليات الحقوقية بالمدينة بنزع البرقع عن وجوه المستفيدين ، والمبادرة بوضع شكاية للنيابة تثمن فقراتها وتشجع “كل المستثمرين الوطنيين، المساهمين الحقيقيين في الاقتصاد الوطني بما ينتج الثروة ويضمن فرص الشغل ” مقابل شجب واستنكار التفويتات الموما اليها واعتبارها “لا تعدو عمليات سطو واستيلاء على أملاك الدولة باسم الاستثمار، واستغلالا لبعض الأطراف لمناصب المسؤولية في المؤسسات المنتخبة من أجل الحصول على منافع، عبر المضاربة في أملاك الدولة” وبالتالي المطالبة ” بإجراء بحث والقيام بتحريات في شأن جميع أملاك الدولة التي تم تفويتها لفائدة منتخبين ومضاربين، خاصة على مستوى لجنة الاستثناءات التي ترأسها والي جهة مراكش آسفي خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 ودجنبر 2017″.
وقائع صادمة وضعت تفاصيلها على مكتب الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، باعتباره الجهة ذات الاختصاص المنوط بها فك الغازها وطلاسمها، وإحاطة الوالي المعزول بصفته المسؤول الاول بالجهة بالمتعين من اجراءات المساءلة الى جانب كل من تبث تورطه او مشاركته واستفادته من هذا” التخربيق”، تفعيلا لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة “.