لنتصور انني أنا المواطن العادي الذي ليس له لا في السياسة و لا في غيرها. ألتقي يوميا مع أصدقاء الذين تعلمت كيف اتحايل على هذا بنكثة و الآخر بما يحب” من لحس الكابة” فيؤدون عني ثمن القهوة و قد يسلفونني باش نكمل الشهر…. و مع اقتراب فصل الانتخابات، اقترحوا علي الترشح، كنوع من السخرية مني، بل منهم من ساعدني حتى نلت التزكية من حزب لا يشترط الأقدمية في النضال بقدر ما يبحث عن صاحب الشكارة أو من عنده شعبية. و بما أنني “مسالي راسي” و عندي عدد من الاصدقاء و المعارف، و اعرف من أين تؤكل الكثف ( الكذب و النفاق …) ” جاب الله التيسير” و نجحت و طلعت الى البرلمان.
و لأنني، و كما سبق، انتهازي و وصولي ( تعلمتها في القهوى ) أكلت ” دماغ” الزعيم الذي اكتشفت انني اقتسم معه كثيرا من الصفات. و بدات انقل له أخبار “المناضلين”( مثلي) و لا أفارقه إلا لينام…. فاقترحني للوزارة، فاستوزروني!!
و بمجرد، دخولي للمكتب المكتوب عليه” السيد الوزير” (الذي يكبر منزلي بكثير)، و جلوسي على الكرسي الفاخر( الذي هو اكبر مني” كفاءة” )، دخل علي رئيس الكتابة الخاصة و قال لي مرحبا “نعام اس” وبدأ يردد علي ما اتفوق عليه به من ” الصباغة”، ثم دخلت علي الكاتبة الخاصة و رددت نفس الاسطوانة، و أمرت الشاوش كي “يجيب” للسيد الوزير الفطور و الجرائد… و بدأ رؤساء المصالح يتسابقون للدخول علي و يرددوا ما انا به عليم….
بعد خروجي من الوزارة وجدت سيارة في انتظاري لم أكن يوما احلم بها حتى في المنام. و لما وصل بي السائق لباب فيلا تقارب حومتنا في المساحة و…و….و…. شعرت بالفعل بأنني أصبحت وزيرا لما رايت مرأب به عدة سيارات و غرفة/دولابا بها العديد من البذل و “لكرافطات” و زجاجات العطر ….. و الخدم و الحشم و البستاني و المربية….فشعرت بالأنا فقررت القطع مع الماضي، بداية من “اصدقائي” حتى لا يذكرونني بأيام الزلط. ثم الذين صوتوا علي حتى لا يوسخوا بذلتي أو “يضربوني بالعين” أو “يفرعوا” لي راسي و يذكرونني بوعودي لهم… و لما انسجمت مع الدور، أصبحت اشمئز حتى من تاريخي و أفراد عائلتي و فقرهم…..
المهم انني أصبحت، رغم أنني لا أعرف عن وزارتي سوى التسمية. فإنني، و حتى لا اظهر أمام الموظفين أميتي و جهلي، عرضت ” صنطيحتي” و تدربت على “التغوبش” و ” التحنحين” و ” النهيض” و ترديد ” واش تاتسناو مني ندير كل شي” كل واحد فيكم يقم بعمله بدون ما تنتظرونني.
كانت مهمتي، كل صباح، بعد دخولي المكتب، انتظار التعليمات التي تنفذ بدون نقاش فاقوم بعد ذلك مباشرة بنقلها الى الموظفين للتنفيذ دون مناقشة أو السماح بإبداء الراي حتى لا “اكشف”.
و بعد مرور الوقت و حظوري الاجتماعات المتثالية، تبين لي بان الجميع او جلنا على شاكلة واحدة ( كلنا ينتظر التعليمات)! و بما أننا لا نعلم كنهها و لا نتائجها. و حتى نبقى في مأمن من الصحافة و أسئلتها… بدأ كل منا يبحث عن مشروع قانون يضيق على الاعلام و يكمم الافواه حتى لا نقع في حرج مع أحد و تنكشف مستوياتنا و مؤهلاتنا و نبقى نضرب على “الشعا” و بأننا وحدنا الذين نفكر و نقرر و نعلم ما يليق بالشعب …و نستمر “معمرين الشقق بينما الكفاءات و المثقفون و المفكرون و المختصون كلهم مبدعون و تحت الوصاية و الحجر.
رن جرس المنبه للسحور. و قمت و انا بين أنا الوزير و انا الحقيقي، لكنني وجدت قانون 22/20 المكمم للافواه حقيقة، فاختلط علي الامر و عدت للنوم. و استؤنف الحلم بتوقيع القرار في اجتماع واسع. و لما رفعت عيني رأيت سيسي مصر، بابتسامته البليدة، و ابن زايد بصورته البشعة و ابن سلمان بمنشاره أمامي يصفقون و يشجعونني. فقمت على آذان الفجر مذعورا، فوجدتني في بيتي المتواضع و بين أسرتي. فحمدت الله على أنني عدت الى اصلي في وطني المغرب، و قررت بإصرار التعبير عن رفضي لذاك القانون العار حتى لا يفرح ثلاثي الشر و يظنون بأننا أصبحنا أمثالهم.
عبد العزيز الحوري / مراكش